الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في سنة ثلاث وخمسين ومائتين من الأكابر  

            أحمد بن سعيد بن صخر بن سليمان ، أبو جعفر الدارمي أحمد بن سعيد بن صخر بن سليمان ، أبو جعفر الدارمي:

            ولد بسرخس ، وتولى القضاء بها ، ونشأ بنيسابور ، وبها مات . رحل في سماع الحديث ، فسمع خلقا كثيرا ، وكان ثقة حافظا متقنا ، عارفا بالحديث والفقه . روى عنه: البخاري ومسلم في الصحيحين ، وقدم على طاهر بن الحسين متعرضا لنائله فوصله بأربعة آلاف درهم .

            إبراهيم بن سعيد ، أبو إسحاق الجوهري إبراهيم بن سعيد ، أبو إسحاق الجوهري .

            سمع سفيان بن عيينة ، وأبا معاوية الضرير ، وخلقا كثيرا . روى عنه: أبو حاتم الرازي ، والنسائي ، وابن أبي الدنيا ، وغيرهم ، وكان مكثرا ثقة ثبتا صنف "المسند" .



            وكان لأبيه دنيا واسعة ، وأفضال على العلماء ، فلذلك تمكن إبراهيم من السماع ، وقدر على الإكثار .

            وعن عبد الله بن جعفر بن خاقان السلمي قال: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حديث لأبي بكر الصديق [رضي الله عنه] فقال لجاريته: أخرجي إلي الجزء الثالث والعشرين من "مسند أبي بكر" . فقلت له: لا يصح لأبي بكر خمسون حديثا ، فمن أين ثلاثة وعشرون جزءا؟ فقال: كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم .

            وعن جعفر بن محمد الفريابي قال: سمعت إبراهيم الهروي يقول: حج سعيد الجوهري فحمل معه أربع مائة رجل من الزوار سوى حشمه يحج بهم! وكان منهم إسماعيل بن عياش ، وهشيم بن بشير ، وكنت أنا معهم في إمارة [هارون] الرشيد .

            انتقل إبراهيم عن بغداد ، فسكن عين زربة مرابطا بها إلى أن توفي في هذه السنة .



            إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد بن يعقوب الشيباني إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد بن يعقوب الشيباني

            وهو عم أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، ولد سنة إحدى وستين ومائة ، وسمع يزيد بن هارون ، وروى [عنه] ابنه حنبل ، وكان ثقة .

            وتوفي في هذه السنة وله اثنتان وتسعون سنة .

            سعيد بن بحر ، أبو عثمان ، وقيل: أبو عمر ، القراطيسي سعيد بن بحر ، أبو عثمان ، وقيل: أبو عمر ، القراطيسي .

            سمع حسينا الجعفي ، وأبا نعيم ، روى عنه: ابن صاعد ، والمحاملي . وكان ثقة . توفي في رمضان هذه السنة .

            السري بن المغلس ، أبو الحسن السقطي السري بن المغلس ، أبو الحسن السقطي .

            أحد كبار مشايخ أئمة الصوفية ، وهو السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي ، تلميذ معروف الكرخي وحدث عن هشيم ، وأبي بكر بن عياش ، وعلي بن غراب ، ويحيى بن يمان ، ويزيد بن هارون ، وغيرهم . وعنه ابن أخته الجنيد بن محمد ، وأبو الحسن النوري ، ومحمد بن الفضل بن جابر السقطي ، وجماعة .

            وكانت له دكان يتجر فيها ، فمرت به جارية قد انكسر إناء كان معها تشتري فيه شيئا لسادتها ، فجعلت تبكي ، فأعطاها سري شيئا تشتري به بدله ، فنظر معروف إليه وما صنع بتلك الجارية ، فقال له : بغض الله إليك الدنيا .

            وقال سري : مررت في يوم عيد ، فإذا معروف ومعه صبي صغير شعث الحال ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : هذا كان واقفا والصبيان يلعبون وهو منكسر ، فقلت له : ما لك لا تلعب ؟ فقال : أنا يتيم ولا شيء معي أشتري به جوزا ألعب به . فأخذته لأجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به ، فقلت : ألا أكسوه وأعطيه شيئا يشتري به جوزا ؟ فقال : أوتفعل ؟ فقلت : نعم . فقال : خذه ، أغنى الله قلبك . قال : فسويت الدنيا عندي أقل شيء .

            وكان عنده مرة لوز ، فساومه رجل على الكر بثلاثة وستين دينارا ، ثم ذهب الرجل ، فإذا اللوز يساوي الكر منه تسعين دينارا ، فقال له : إني أشتري منك الكر بتسعين دينارا . فقال : إني ساومتك بثلاثة وستين ، وإني لا أبيعه إلا بذلك . فقال الرجل : وأنا أشتري منك بتسعين . فقال : لا أبيعه إلا بما ساومتك عليه . فقال الرجل : إن من النصح أن لا أشتري منك إلا بتسعين دينارا . وذهب فلم يشتر منه .

            وجاءت امرأة يوما إلى سري فقالت : إن ابني قد أخذه الحرس ، وإني أحب أن تبعث إلى صاحب الشرطة لئلا يضرب . فقام فكبر وطول في الصلاة وجلعت المرأة تحترق في نفسها ، فلما انصرف من الصلاة قالت المرأة : الله الله في ولدي . فقال : هاأنذا في حاجتك . فما قام من مجلسه حتى جاءت امرأة إلى تلك المرأة فقالت : أبشري ، فقد أطلق المتولي ولدك . فانصرفت إليه . وقال سري : أشتهي أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ، ولا لأحد علي فيها منة ، فما أجد إلى ذلك سبيلا . وفي رواية قال : إني لأشتهي البقل من ثلاثين سنة ، فما أقدر عليه . وعن السري أنه قال : احترق سوقنا ، فقصدت المكان الذي فيه دكاني ، فتلقاني رجل فقال : أبشر ; فإن دكانك قد سلمت . فقلت : الحمد لله . ثم تذكرت ذلك التحميد ، فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة . رواها الخطيب .

            وقال السري : صليت وردي ذات ليلة ثم مددت رجلي في المحراب ، فنوديت : يا سري ، كذا تجالس الملوك ؟ قال : فضممت رجلي ثم قلت : وعزتك لا مددت رجلي أبدا وكان من العباد المجتهدين .

            وعن محمد بن إسماعيل بن عامر قال: سمعت حسنا المسوحي يقول: دفع إلي السري قطعة فقال: اشتر لي باقلاء [ولا تشتر إلا من] رجل قدره داخل الباب ، فطفت الكرخ كله ، فلم أجد إلا من قدره خارج الباب ، فرجعت إليه وقلت له: خذ قطعتك؛ فإني لا أجد إلا من قدره خارج الباب .

            وعن علي بن الحسن الطفيلي قال سمعت الفرجاني يقول]: سمعت الجنيد يقول: ما رأيت أعبد من السري السقطي ، أتت عليه ثمانية وتسعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت .  

            وعن جعفر الخالدي في كتابه قال سمعت الجنيد يقول: كنت يوما عند السري بن المغلس وكنا خاليين وهو مؤتزر بمئزر ، فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيم دنف مضني ، كأجهد ما يكون ، فقال: انظر إلى جسدي هذا لو شئت أن أقول: إن ما بي من المحبة لكان كما أقول ، وكان وجهه أصفر ، ثم أشرب حمرة حتى تورد ، ثم اعتل فدخلت عليه أعوده ، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال:


            كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي بي أصابني من طبيبي؟

            فأخذت المروحة أروحه ، فقال: كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل ، ثم أنشأ يقول:


            القلب محترق والدمع مستبق     والكرب مجتمع والصبر مفترق
            كيف القرار على من لا قرار له     مما جناه الهوى والشوق والقلق


            يا رب إن كان شيء فيه لي فرج     فامنن علي به ما دام لي رمق

            وقد ذكر الخطيب وفاته يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين بعد أذان الفجر ، ودفن بعد العصر . قال : ودفن بمقبرة الشونيزية ، وقبره ظاهر معروف ، وإلى جنبه قبر الجنيد . وروي عن القاضي ، عن أبي عبيد بن حربويه قال : رأيت سريا في المنام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي ولكل من شهد جنازتي . قلت : فإني ممن حضر جنازتك وصلى عليك . قال : فأخرج درجا فنظر فيه ، فلم ير فيه اسمي ، فقلت : بلى ، قد حضرت ، فإذا اسمي في الحاشية .

            وحكى ابن خلكان قولا ; أن سريا توفي سنة إحدى وخمسين . وقيل : سنة ست وخمسين . فالله أعلم . قال ابن خلكان : ومما كان ينشده السري ، رحمه الله :


            إذا ما شكوت الحب قالت كذبتني     فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا
            فلا حب حتى يل?ق الجلد بالحشا     وتذهل حتى لا تجيب المناديا

            علي بن شعيب بن عدي بن همام ، أبو الحسن السمسار علي بن شعيب بن عدي بن همام ، أبو الحسن السمسار .

            طوسي الأصل ، سمع هشيما ، وابن عيينة ، وروى عنه البغوي وابن صاعد ، وكان ثقة ، توفي في شوال هذه السنة .

            1557 هارون بن سعيد بن الهيثم ، أبو جعفر هارون بن سعيد بن الهيثم ، أبو جعفر

            مولى لبني سعد بن بكر ، ولد سنة سبعين ومائة ، وحدث عن ابن عيينة ، وابن وهب ، وكان ثقة ، وعلت سنه فضعف ، فلزم بيته ، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية