الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أخبار صاحب الزنج  

            في هذه السنة سير جعلان لحرب صاحب الزنج بالبصرة ، فلما وصل إلى البصرة نزل بمكان بينه وبين صاحب الزنج فرسخ ، وخندق عليه وعلى أصحابه ، وأقام ستة أشهر في خندقة ، وجعل يوجه الزينبي وبني هاشم ومن خف لحربهم هذا اليوم الذي تواعدهم جعلان للقائه ، فلم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة والنشاب ، ولا يجد جعلان إلى لقائه سبيلا ، لضيق المكان عن مجال الخيل ، وكان أكثر أصحاب جعلان خيالة .

            فلما طال مقامه في خندقه أرسل صاحب الزنج أصحابه إلى مسالك الخندق ، فيبيتوا جعلان ، وقتلوا من أصحابه جماعة ، وخاف الباقون خوفا شديدا .

            وكان الزينبي قد جمع البلالية ، والسعدية ووجه بهم من مكانين ، وقاتلوا الخبيث ، فظفر بهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، فترك جعلان خندقه وانصرف إلى البصرة ، وظهر عجزه للسلطان ، فصرفه عن حرب الزنج ، وأمر سعيدا الحاجب بمحاربتهم .

            وتحول صاحب الزنج ، بعد ذلك ، من السبخة التي كان فيها ، ونزل بنهر أبي الخصيب ، وأخذ أربعة وعشرين مركبا من مراكب البحر ، وأخذوا منها أموالا كثيرة لا تحصى ، وقتل من فيها ، ونهبها أصحابه ثلاثة أيام ، وأخذ لنفسه بعد ذلك من النهب . دخول الزنج الأبلة  

            وفي سنة ست وخمسين ومائتين دخل الزنج الأبلة ، فقتلوا فيها خلقا كثيرا وأحرقوها .

            وكان سبب ذلك أن جعلان لما تنحى عن خندقه إلى البصرة ألح شنا صاحب الزنج بالغارات على الأبلة ، وجعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل ، ولم يزل يحارب إلى يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب ، فافتتحها ، وقتل أبو الأحوص ( وعبيد الله بن حميد بن الطوسي ) ، وأضرمها نارا وكانت مبنية بالساج ، فأسرعت النار فيها ، وقتل من أهلها خلق كثير ، وحووا الأموال العظيمة ، وكان ما أحرقت النار أكثر من الذي نهب .

            أخذ الزنج عبادان  

            وفيها أرسل أهل عبادان إلى صاحب الزنج فسلموا إليه حصنهم .

            وكان الذي حملهم على ذلك أنه لما فعل بأهل الأبلة ما فعل خاف أهل عبادان على أنفسهم ، وأهليهم ، وأموالهم ، فكتبوا إليه يطلبون الأمان على أن يسلموا إليه البلد ، فأمنهم ، وسلموه إليه ، فأنفذ أصحابه إليهم ، وأخذوا ما فيه من العبيد والسلاح ، ففرقه في أصحابه . أخذهم الأهواز  

            ولما فرغ العلوي البصري من الأبلة وعبادان طمع في الأهواز ، فاستنهض أصحابه نحو جي ، فلم يلبث أهلها ، وهربوا منهم ، فدخلها الزنج ، وقتلوا من رأوا بها ، وأحرقوا ونهبوا ، وأخربوا ما وراءها إلى الأهواز ، فلما بلغوا الأهواز هرب من فيها من الجند ومن أهلها ، ولم يبق إلا القليل ، فدخلوا وأخربوها ، وكان بها إبراهيم بن المدبر متولي الخراج ، فأخذوه أسيرا بعد أن جرح ، ونهب جميع ماله ، وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان ، فلما فعل ذلك بالأهواز ، وعبدان ، والأبلة ، خافه أهل البصرة ، وانتقل كثير من أهلها في البلدان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية