الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قتل يحيى بن محمد البحراني  

            وفي سنة ثمان وخمسين ومائتين أسر يحيى بن محمد البحراني قائد صاحب الزنج ، وكان سبب ذلك أنه لما سار نحو نهر العباس لقيه عسكر أصعجور عامل الأهواز بعد منصور ، وقاتلهم ، وكان أكثر منهم عددا ، فنال ذلك العسكر من الزنج بالنشاب ، وجرحوهم ، فعبر يحيى النهر إليهم ، فانحازوا عنه ، وغنم سفنا كانت مع العسكر ، فيها الميرة ، وساروا بها إلى عسكر صاحب الزنج على غير الوجه الذي فيه علي بن أبان ، لتحاسد كان بينه وبين يحيى .

            ووجه يحيى طلائعه إلى دجلة ، فلقيهم جيش أبي أحمد الموفق سائرين إلى نهر أبي الأسد ، فرجعوا إلى علي ، فأخبروه بمجيء الجيش ، فرجع من الطريق الذي كان سلكه ، وسلك نهر العباس ، وعلى فم النهر شذوات لحمية من عسكر الخليفة ، فلما رآهم يحيى راعه ذلك ، وخاف أصحابه فنزلوا السفن ( وعبروا النهر ، ولقي يحيى ومن معه بضعة عشر رجلا ، فقاتلهم هو وذلك النفر ) اليسير ، فرموهم بالسهام ، فجرح ثلاث جراحات ; فلما جرح تفرق أصحابه عنه ، ( ولم يعرف حتى يؤخذ ) ، فرجع حتى دخل بعض السفن وهو مثخن بالجراح .

            وأخذ أصحاب السلطان الغنائم ، وأخذوا السفن ، وعبروا إلى سفن كانت للزنج فأحرقوها ، وتفرق الزنج عن يحيى بقية نهارهم ، فلما رأى ( تفرقهم ركب سميرية ، وأخذ معه طبيبا لأجل الجراح ، وسار فيها ، فرأى ) الملاحون سميريات السلطان ، فخافوا ، فألقوا يحيى ومن معه على الأرض ، فمشى وهو مثقل ، وقام الطبيب الذي معه فأتى أصحاب السلطان فأخبرهم خبره .

            فأخذوه وحملوه إلى أبي أحمد ، فحمله أبو أحمد إلى سامرا ، فضرب بين يدي المعتمد مائتي سوط ، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ثم ذبح ثم أحرق . ولما بلغ خبره صاحب الزنج أسف على ذلك ، ثم قال : لقد خوطبت فيه ، فقيل لي : قتله كان خيرا لك ; لأنه كان شرها يخفي من المغانم خيارها . وقد كان هذا اللعين - أعني صاحب الزنج المدعى إلى غير أبيه يقول لأصحابه : لقد عرضت علي النبوة فخفت أن لا أقوم بأعبائها ، فلم أقبلها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية