الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في سنة إحدى وستين ومائتين من الأكابر

            الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي .

            ولي القضاء بسر من رأى ، وولاه قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد بن سليمان بن علي ، فولي في أيام المتوكل وبعده ، وكان فقيها سخيا ذا مروءة وكرم عظيم ، ولم تزل في بيته إمارة ورياسة ، منهم: عتاب بن أسيد ، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وخالد بن أسيد وهو جد [آل ابن] أبي الشوارب .

            وعن ابن عرفة قال: أخبرني من حضر محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وقد ورد عليه كتاب ابنه الحسن بولاية القضاء ، فكتب إليه: وصل إلي كتابك بتوليتك القضاء ، وحاشى لوجهك الحسن يا حسن من النار .

            وعن محمد بن العباس قال: قرئ على ابن المنادى وأنا أسمع ، قال: دخل إلى مدينة السلام الحسن بن محمد بن أبي الشوارب قاضي القضاة للمعتمد ، فتوفي بمدينة السلام لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة إحدى وستين ، وصلى عليه يوسف بن يعقوب .

            وذكر ابن جرير الطبري أنه توفي بمكة .

            الحسين بن بحر بن يزيد أبو عبد الله البيروذي الحسين بن بحر بن يزيد أبو عبد الله البيروذي .

            من نواحي الأهواز ، قدم بغداد ، وحدث عن حجاج بن نصير ، وجبارة بن مغلس ، وغيرهما . روى عنه: ابن صاعد ، وابن أبي داود ، وابن مخلد ، وكان ثقة ، وخرج إلى الغزو فأدركه أجله بملطية ، وتوفي في رمضان هذه السنة .

            الحسين بن نصر بن المعارك ، أبو علي الحسين بن نصر بن المعارك ، أبو علي .

            سكن مصر ، وحدث بها عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، ونعيم بن حماد ، وكان ثقة ثبتا . وتوفي بمصر في شعبان هذه السنة .

            سليمان بن توبة بن زياد ، أبو داود النهرواني سليمان بن توبة بن زياد ، أبو داود النهرواني .

            سمع يزيد بن هارون ، وروح بن عبادة ، وشبابة . روى عنه: ابن مخلد . وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتبت عنه وكان صدوقا . وقال الدارقطني: ثقة .

            توفي بمصر في صفر هذه السنة .

            سليمان بن خلاد ، [أبو خلاد] المؤدب سليمان بن خلاد ، [أبو خلاد] المؤدب .



            سكن سر من رأى ، وحدث بها عن يزيد بن هارون ، وشبابة . روى عنه: ابن أبي داود ، وابن مخلد . وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي ، وهو صدوق .

            وتوفي بسر من رأى في هذه السنة .

            شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد بن شيطا ، أبو بكر الصريفيني شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد بن شيطا ، أبو بكر الصريفيني .

            من أهل واسط . سمع يحيى بن آدم ، وأبا داود الجفري . روى عنه: ابن صاعد ، وابن مخلد ، والمحاملي ، ولي قضاء جنديسابور . قال الدارقطني: هو ثقة .

            توفي في هذه السنة .

            طيفور بن عيسى بن سروشان ، أبو يزيد البسطامي طيفور بن عيسى بن سروشان ، أبو يزيد البسطامي .

            وكان سروشان مجوسيا فأسلم ، وكان لعيسى ثلاثة أولاد: آدم وهو أكبرهم ، وأبو يزيد أوسطهم ، وعلي أصغرهم ، وكانوا كلهم عبادا زهادا .

            وقيل له : بأي شيء وصلت إلى هذه المعرفة ؟ فقال : ببطن جائع وبدن عار . وكان يقول : دعوت نفسي إلى طاعة الله فلم تجبني ، فمنعتها الماء سنة . وقال أيضا : إذا نظرتم إلى الرجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء ، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة . قال القاضي ابن خلكان : وله مقامات كثيرة ومجاهدات مشهورة وكرامات ظاهرة ، قلت : قد حكي عنه كلمات فيها شطح ، وقد تكلم كثير من العلماء من الصوفية والفقهاء عليها ; فمن متأول على المحامل البعيدة ، أو قائل : إن هذا قاله في حال الاصطلام والسكر ، ومن مبدع ومخطئ ، والله أعلم . وعن العباس بن حمزة قال: صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالا لاسم الله [تعالى] وارتعدت فرائصه ، حتى كنت أسمع تقعقع عظامه ، فهالني ذلك .

            وعن أبي يزيد قال: كان أبو يزيد يزجر نفسه فيصيح عليها ويقول: يا مأوى كل سوء ، المرأة إذا حاضت طهرت في ثلاثة أيام وأكثره لعشرة ، وأنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت ، فمتى تطهرين؟! إن وقوفك بين يدي الله [عز وجل] طاهر فينبغي أن تكوني طاهرة .

            توفي أبو يزيد في هذه السنة ، وله ثلاث وسبعون سنة .

            1 عبد الله بن الهيثم بن عثمان ، أبو محمد العبدي عبد الله بن الهيثم بن عثمان ، أبو محمد العبدي .

            من أهل البصرة ، قدم بغداد ، وحدث بها عن أبي عامر العقدي ، وأبي داود الطيالسي .

            روى عنه: البغوي ، والمحاملي . وكان ثقة . توفي بالشام في هذه السنة .

            عبد الرحمن المتطبب عبد الرحمن المتطبب .

            كان أحمد بن حنبل يثني عليه ، وكان يدخل عليه وعلى بشر .

            وعن أبو محمد الحسن بن عثمان بن عبدويه ، حدثنا أبي قال: سمعت عبد الرحمن الطبيب -هو طبيب أحمد بن حنبل وبشر الحافي- قال: اعتلا جميعا في مكان واحد . فكنت أدخل إلى بشر فأقول له: كيف تجدك يا أبا نصر؟ قال: فيحمد الله تعالى ، ثم خبرني ، فيقول: أحمد الله إليك ، أجد كذا وكذا . وأدخل على أبي عبد الله فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فيقول: بخير . فقلت له يوما: إن أخاك بشرا عليل وأسأله [بحاله] فيخبرني ، فيبدأ بحمد الله تعالى ثم يخبرني . فقال لي: سله عمن أخذ هذا؟ فقلت له: إني أهابه أن أسأله فقال: قل له: قال لك أخوك أبو عبد الله: عمن أخذت هذا؟ قال: فدخلت عليه فعرفته ما قال . فقال لي: أبو عبد الله لا يريد الشيء إلا بالإسناد: أزهر عن ابن عون ، عن ابن سيرين: إذا حمد الله [تعالى] العبد قبل الشكوى لم تكن شكوى ، إنما أقول لك: أجد كذا أعرف قدرة الله تعالى في .

            قال: فخرجت من عنده [فمضيت إلى أبي عبد الله] فعرفته ما قال .

            فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليه يقول: أحمد الله إليك ، ثم يذكر ما يجد .

            عثمان بن معبد بن نوح المقرئ عثمان بن معبد بن نوح المقرئ .

            سمع أبا نعيم الفضل بن دكين . روى عنه: ابن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، وكان ثقة .

            وتوفي بالجانب الغربي من بغداد في صفر هذه السنة .

            علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر ، ويعرف: بابن إشكاب [علي بن] الحسين بن إبراهيم بن الحر ، ويعرف: بابن إشكاب .

            سمع إسماعيل ابن علية ، وأبا معاوية . روى عنه: أبو داود ، وابن صاعد ، وكان ثقة صدوقا . توفي في شوال هذه السنة .

            قطن بن إبراهيم ، أبو سعيد القشيري النيسابوري قطن بن إبراهيم ، أبو سعيد القشيري النيسابوري .



            ولد سنة ثمانين ومائة ، وسمع من عبدان ، وقبيصة ، وغيرهما . روى عنه: أبو زرعة ، وأبو حاتم الرازيان ، وغيرهما . وكان مسلم بن الحجاج قد كتب عنه فازدحم الناس عليه حتى حدث بحديث إبراهيم بن طهمان: عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" فطالبوه بالأصل فأخرجه ، وقد كتبه على الحاشية فتركه مسلم .

            وكان قد سأل محمد بن عقيل عن هذا الحديث فقال ابن عقيل: حدثنا حفص ، عن ابن طهمان ، فخرج هو إلى الناس فقال: حدثنا حفص فاتضع لهذا .

            وتوفي قطن في هذه السنة .

            محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر ، أبو جعفر العامري ، ويعرف بابن إشكاب محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر ، أبو جعفر العامري ، ويعرف بابن إشكاب .

            ولد في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وسمع أبا النضر وغيره ، وأخرج عنه البخاري في صحيحه ، وكان حافظا صدوقا ثقة من أهل العلم والأمانة .

            وتوفي في محرم هذه السنة ، وله ثمانون سنة .

            محمد بن خلف ، أبو بكر المقرئ ، ويعرف بالحدادي محمد بن خلف ، أبو بكر المقرئ ، ويعرف بالحدادي .

            سمع حسينا الجعفي وغيره .

            روى عنه: البخاري في صحيحه . قال الدارقطني: كان فاضلا ثقة . توفي في ربيع الأول هذه السنة .

            محمد بن علي بن محرز ، أبو عبد الله البغدادي محمد بن علي بن محرز ، أبو عبد الله البغدادي .

            كان محدثا ثقة فهما وفي أخلاقه زعارة ، حدث بالكثير .

            وتوفي بمصر في ربيع الآخر [من هذه السنة] .



            1 محمد السمين محمد السمين .

            كان أستاذ الجنيد وله منازلات في التوكل والشوق .

            وعن الخلدي قال: قال الجنيد: قال لي محمد بن السمين: كنت في وقت من الأوقات أعمل على الشوق ، وكنت أجد من ذلك شيئا أنا به مستقبل ، فخرجت إلى الغزو وهذه الحالة حالتي ، وغزا الناس وغزوت معهم ، وكثر العدو على المسلمين ، وتقاربوا والتقوا ، ولزم المسلمين من ذلك خوف لكثرة الروم .

            قال محمد: فرأيت نفسي في ذلك الموطن وقد لحقها روع ، فاشتد ذلك علي ، فجعلت أوبخ نفسي وألومها وأؤنبها وأقول لها: يا كذابة ، قد عين الشوق ، فلما جاء الموطن الذي يؤمل في مثله الخروج اضطربت وتغيرت . فأنا أوبخها إذ وقع علي أن أنزل إلى النهر فأغتسل ، فخلعت ثيابي واتزرت ، ودخلت النهر واغتسلت ، وخرجت وقد اشتدت لي عزيمة لا أدري ما هي ، فخرجت بقوة تلك العزيمة ، ولبست ثيابي ، وأخذت سلاحي ، ودنوت من الصفوف ، وحملت بقوة تلك العزيمة حملة ، وأنا لا أدري كيف أنا ، فمزقت صفوف المسلمين ، وصفوف الروم حتى صرت من ورائهم ، ثم كبرت تكبيرة ، فسمع الروم تكبيرا وظنوا أن كمينا قد خرج عليهم من ورائهم ، فولوا ، وحمل عليهم المسلمون ، فقتل من الروم بسبب تكبيرتي تلك نحو أربعة آلاف ، وجعل الله عز وجل ذلك سبب النصر والفتح .

            محمد بن حماد ، أبو عبد الله الطهراني محمد بن حماد ، أبو عبد الله الطهراني .



            رحل في طلب الحديث ، فسمع من عبد الرزاق ، وغيره . وكان له فهم [وهو] منسوب إلى طهران قرية أخرى من قرى [الري ، وثم من ينسب إلى طهران ، وهي قرية أخرى من قرى خراسان إلا أن] طهران الري أشهر من تلك .

            توفي ابن حماد بعسقلان في ربيع الأول من هذه السنة .

            مسلم بن الحجاج بن مسلم ، أبو الحسين القشيري النيسابوري مسلم بن الحجاج بن مسلم ، أبو الحسين القشيري النيسابوري .

            أحد الأئمة من حفاظ الحديث ، صاحب " الصحيح " الذي هو تلو " الصحيح " للبخاري عند أكثر العلماء ، وذهب المغاربة ، وأبو علي النيسابوري شيخ الحاكم النيسابوري من المشارقة إلى تفضيل " صحيح " مسلم على " صحيح " البخاري ، فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شيء من التعليقات إلا القليل ، وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد ، ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب ، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري ، واختياره في تصحيح ما أورده في " جامعه " معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه في الجملة ، فإن مسلما لا يشترط في كتابه الشرط الثاني ، كما هو مقرر في علوم الحديث. سمع بنيسابور: يحيى بن يحيى ، وقتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم ، وبالري: محمد بن مهران ، وغيره ، وببغداد: أحمد بن حنبل ، وغيره .

            وبالبصرة: القعنبي ، وغيره . وبالكوفة عمر بن حفص بن غياث ، وغيره .

            وبالمدينة: إسماعيل بن أبي أويس ، وغيره ، وبمكة: سعيد بن منصور ، وغيره .

            وبمصر: حرملة بن يحيى ، وغيره .

            وكان تام القامة ، أبيض الرأس واللحية ، وكان من كبار العلماء وأوعية العلم ، وله مصنفات كثيرة منها: "المسند الكبير على الرجال" وما نظن أنه سمعه منه أحد ، و"كتاب الجامع الكبير على الأبواب" ، و"كتاب الأسامي والكنى" ، و"كتاب المسند الصحيح" ، وقال: صنفته من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ، و"كتاب التمييز" ، و"كتاب العلل" ، و"كتاب الوحدان" ، و"كتاب الأفراد" ، و"كتاب الأقران" ، و"كتاب سؤالات أحمد بن حنبل" ، و"كتاب الانتفاع بأهب السباع" ، و"كتاب عمرو بن شعيب بذكر من لم يحتج بحديثه وما أخطأ فيه" . و"كتاب مشايخ مالك بن أنس" ، و"كتاب مشايخ الثوري" ، و"كتاب مشايخ شعبة" ، و"كتاب ذكر من ليس له إلا راو واحد من رواة الحديث" ، و"كتاب المخضرمين" و"كتاب أولاد الصحابة فمن بعدهم من المحدثين" ، و"كتاب ذكر أوهام المحدثين" ، و"كتاب تفضيل السنن" و"كتاب طبقات التابعين" ، و"كتاب أفراد الشاميين من الحديث" ، و"كتاب المعرفة" .

            قدم بغداد مرارا ، فآخر قدومه كان في سنة تسع وخمسين ومائتين .

            سمع منه: يحيى بن صاعد ، ومحمد بن مخلد .

            وعن أبا عبد الله محمد بن أبي يعقوب قال: سمعت أحمد بن سلمة يقول: عقد لمسلم مجلس للمذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحد منكم إلى هذا البيت! فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر ، فقال: قدموها إلي ، فقدموها إليه ، فكان يطلب الحديث ويأكل تمرة تمرة ، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث .

            وقال الخطيب البغدادي بسنده سمعت أحمد بن سلمة يقول : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما .

            وعن مسلم بن الحجاج قال : صنفت هذا " المسند الصحيح " من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة .

            وروى الخطيب بسنده سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث .

            وقد ذكر مسلم عند إسحاق بن راهويه ، فقال بالعجمية ما معناه : أي رجل كان هذا ؟

            وقال إسحاق بن منصور لمسلم : لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين . وقد أثنى عليه جماعة من علماء أهل الحديث وغيرهم .

            وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم : قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت في الحديث .

            وروى الخطيب ، عن أبي عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري قال : سألت أبا العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ عن البخاري ومسلم ، أيهما أعلم ؟ فقال : كان البخاري عالما ومسلم عالما . فكررت ذلك عليه مرارا ، وهو يرد علي هذا الجواب ، ثم قال لي : يا أبا عمرو ، قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام ; وذلك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها ، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ، ويذكره في موضع آخر باسمه ، ويتوهم أنهما اثنان ، فأما مسلم فقل ما يقع له الغلط لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل .

            قال الخطيب : إنما قفا مسلم طريق البخاري ، ونظر في علمه ، وحذا حذوه ، ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم ، وأدام الاختلاف إليه . وقد حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي قال : سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول : لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء .

            قال الخطيب :بسنده سمعت مسلم بن الحجاج ، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ، حدثك محمد بن سلام ، حدثنا مخلد بن يزيد الحراني ، حدثنا ابن جريج ، عن موسى بن عقبة عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس ، فما علته ؟ فقال البخاري : هذا حديث مليح ، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث ، إلا أنه معلول قال البخاري : وهذا أولى ; فإنه لا يعرف لموسى بن عقبة سماع من سهيل .

            قلت : وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة ، وأوردت فيه طرقه وألفاظه ومتنه وعلله ، ولله الحمد والمنة .

            قال الخطيب : وقد كان مسلم يناضل عن البخاري ، رحمهما الله . ثم ذكر ما كان وقع بين البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن في نيسابور وكيف نودي على البخاري بسبب ذلك بنيسابور ، وأن الذهلي قال يوما لأهل مجلسه ، وفيهم مسلم بن الحجاج : ألا من كان يقول بقول البخاري في مسألة اللفظ بالقرآن فليعتزل مجلسنا . فنهض مسلم من فوره إلى منزله ، وجمع ما كان سمعه من الذهلي جميعه ، وأرسل به إليه ، وترك الرواية عن الذهلي بالكلية ، فلم يرو عنه شيئا لا في " صحيحه " ، ولا في غيره واستحكمت الوحشة بينهما . هذا ولم يترك البخاري محمد بن يحيى الذهلي ، بل روى عنه في " صحيحه " وغيره وعذره ، رحمه الله .

            وقد ذكر الخطيب سبب موت مسلم - رحمه الله - أنه عقد له مجلس للمذاكرة ، فسئل يوما عن حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، فأوقد السراج ، وقال لأهله : لا يدخل أحد الليلة علي . وقد أهديت له سلة من تمر فهي عنده ; يأكل منها تمرة ويكشف حديثا ، ثم يأكل أخرى ، ويكشف آخر ، ولم يزل ذلك دأبه حتى أصبح وقد أكل تلك السلة وهو لا يشعر ، فحصل له بسبب ذلك ثقل ، ومرض من ذلك حتى كانت وفاته عشية يوم الأحد ، ودفن يوم الإثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور ، وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي ; وهي سنة أربع ومائتين ، وكان عمره سبعا وخمسين سنة . رحمه الله تعالى . وممن توفي فيها من الأعيان :

            أحمد بن سليمان الرهاوي .

            وأحمد بن عبد الله العجلي . وداود بن القاسم الجعفري .



            وعبد الله بن الواثق ، أخو المهتدي بالله .

            وأبو شعيب السوسي . وعبد العزيز بن حيان الموصلي ، وكان كثير الحديث .

            و النضر بن الحسن الفقيه الحنفي ، وكان من الموصل أيضا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية