الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث  

            في المحرم من هذه السنة قطع الأعراب الطريق على قافلة من الحاج بين ثور وسميراء ، فسلبوهم ، وساقوا نحوا من خمسة آلاف بعير بأحمالها وأناسا كثيرا .

            وفيها انخسف القمر ، وغاب منخسفا ، وانكسفت الشمس فيه أيضا آخر النهار ، وغابت منكسفة ، فاجتمع في المحرم كسوفان .

            وفيها ، في صفر وثبت العامة بإبراهيم الخليجي ، فانتهبوا داره ، وكان سبب ذلك أن غلاما له رمى امرأة بسهم فقتلها ، فاستعدى السلطان عليه ، فامتنع ، ورمى غلمانه الناس ، فقتلوا جماعة ، وجرحوا ، فثارت بهم العامة ، فقتلوا فيهم رجلين من أصحاب السلطان ، ونهبوا منزله ، ودوابه ، وخرج هاربا ، فجمع محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر - وكان نائب أبيه - دواب إبراهيم ، وما أخذ له ، فرده عليه .

            وفيها وجه إلى أبي الساج جيش بعدما انصرف من مكة ، فسيره إلى جدة ، فأخذ للمخزومي مركبين فيهما مال وسلاح .

            وفيها وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية ، وعامله عليها يازمان الخادم مولى مفلح بن خاقان ، فحبسه ، فوثب به جماعة فاستنقذوا يازمان ، وهرب خلف ، وترك الدعاء لابن طولون ، فسار إليهم ابن طولون ، ونزل أذنة ، فاعتصم أهل طرسوس بها ، ومعهم يازمان ، فرجع عنهم ابن طولون إلى حمص ، ثم إلى دمشق ، فأقام بها .

            وفيها قام رافع بن هرثمة بما كان الخجستاني غلب عليه من مدن خراسان ، فاجتبى عدة من كور خراسان خراجها لبضع عشرة سنة ، فأفقر أهلها وأخربها .

            وفيها كانت وقعة بين الحسنيين ، والحسينيين ( بالحجاز ) ، والجعفريين ، فقتل من الجعفريين ثمانية نفر ، وخلصوا الفضل بن العباس العباسي عامل المدينة .

            وفيها ، في جمادى الآخرة ، عقد هارون بن الموفق لابن أبي الساج على الأنبار ، وطريق الفرات ، والرحبة ، وولي محمد بن أحمد الكوفة وسوادها ، فلقي محمد الهيصم العجلي ، فانهزم الهيصم .

            وفيها توفي عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني ، وبيده أرمينية ، وديار بكر .

            وفيها كانت وقعة بين ابن أبي الساج ، والأعراب ، فهزموه ، ثم بيتهم فقتل منهم وأسر ، ووجه بالرءوس ، والأسرى إلى بغداذ .

            وفيها ، في شوال دخل ابن أبي الساج رحبة مالك بن طوق بعد أن قاتله أهلها [ فغلبهم ] ، وقتلهم ، وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام ، ثم سار ابن أبي الساج إلى قرقيسيا فدخلها .

            وحج بالناس هارون بن محمد ابن إسحاق الهاشمي .

            ( وفيها خرج محمد بن الفضل أمير صقلية في عسكر إلى ناحية رمطة ، وبلغ العسكر إلى قطانية ، فقتل كثيرا من الروم ، وسبى وغنم ، ثم انصرف إلى بلرم في ذي الحجة ) .

            وخرج الأمر في هذه السنة بتكنية صاعد بالعلاء في الكتب ، وعقد له على بلاد  ، وانحدر صاعد إلى الموفق ، واستخلف ابنه العلاء ، وسمي صاعد : ذا الوزارتين ، وكانوا قد عزموا أن يسموه : ذا التدبيرين . فقال لهم أبو عبيد الله : لا تسموه بشيء ينفرد به ، ولكن سموه : ذا الوزارتين ، أو ذا الكفايتين ، ليكون مضافا إليكم . فسموه ذا الوزارتين .

            وروى أبو بكر الصولي قال : حدثني المعلى بن صاعد قال : سعوا إلى الموفق بصاعد ، وضمنوه بمال عظيم  ، وجعلوا الرقعة تحت ذنب طائر ، وأطلقوه ، وكان أبي قد أنكر من الموفق شيئا ، فعزم أن يحمل إليه مائتي ألف درهم كانت عنده ، ثم قال : والله لا فعلت ، ولأتصدقن بمائة ألف درهم منها . ففعل ذلك في غداة ذلك اليوم الذي ركب فيه زورقا ، فبينا هو يسير إذ سقط في زورقه طائر ، فأخذ فوجدت فيه رقعة فقرأها صاعد ، فإذا هي سعاية به ، فعلم أن الله تعالى كفاه لأجل صدقته ، ودخل إلى الموفق فأراه الطائر ، وأراه الرقعة ، وعرفه ما عمل ، فعظم في عينه ، وجلت مكانته عنده ، وقال : ما فعل الله بك هذا إلا لخير خصك به .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية