الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            القبض على ابن الفرات ووزارة الخاقاني  

            في سنة تسع وتسعين ومائتين قبض المقتدر على الوزير أبي الحسن بن الفرات في ذي الحجة ، وكان قد ظهر ، قبل القبض عليه بمدة ( يسيرة ) ، ثلاثة كواكب مذنبة ، أحدها ظهر آخر رمضان في برج الأسد ، والآخر ظهر في ذي القعدة في المشرق ، والثالث ظهر في المغرب في ذي القعدة أيضا في برج العقرب .

            ولما قبض على الوزير وكل بداره ، وهتك حرمه ، ونهب ماله ، ونهبت دور أصحابه ومن يتعلق بهم ، وافتتنت بغداذ لقبضه ، ولقي الناس شدة ثلاثة أيام ، ثم سكنوا .

            وكانت مدة وزارته هذه ، وهي الوزارة الأولى ، ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما ، وقلد أبو علي محمد بن ( يحيى بن عبيد الله بن ) يحيى بن خاقان الوزارة ، فرتب أصحاب الدواوين ، وتولى مناظرة ابن الفرات أبو الحسين أحمد بن يحيى بن أبي البغل ، وكان أخوه أبو الحسن بن أبي البغل مقيما بأصبهان ، فسعى أخوه له في الوزارة هو وأم موسى القهرمانة ، فأذن المقتدر في حضوره ليتولى الوزارة ، فحضر ، فلما بلغ ذلك الخاقاني انحلت أموره ، فدخل على الخليفة ( وأخبره بذلك ) ، فأمره بالقبض على أبي الحسن ( وأبي الحسين أخيه ، فقبض على أبي الحسن ) وكتب في القبض على أبي الحسين ، فقبض أيضا ، ثم خاف القهرمانة ، فأطلقهما واستعملهما .

            ثم إن أمور الخاقاني انحلت لأنه كان ضجورا ، ضيق الصدر ، مهملا لقراءة كتب العمال ، وجباية الأموال ، وكان يتقرب إلى الخاصة والعامة ، فمنع خدم السلطان وخواصه أن يخاطبوه بالعبد ، وكان إذا رأى جماعة من الملاحين والعامة يصلون جماعة ، ينزل ويصلي معهم ، وإذا سأله أحد حاجة دق صدره ، وقال : نعم وكرامة ، فسمي " دق صدره " ، إلا أنه قصر في إطلاق الأموال للفرسان والقواد ، فنفروا عنه واتضعت الوزارة بفعله ما تقدم .

            وكان أولاده قد تحكموا عليه ، فكل منهم يسعى لمن يرتشي منه ، وكان يولي في الأيام القليلة عدة من العمال ، حتى إنه ولى بالكوفة ، في مدة عشرين يوما ، سبعة من العمال ، فاجتمعوا في الطريق ، فعرضوا توقيعاتهم ، فسار الأخير منهم ، وعاد الباقون يطلبون ما خدموا به أولاده ، فقيل فيه :


            وزير قد تكامل في الرقاعه يولي ثم يعزل بعد ساعه     إذا أهل الرشى اجتمعوا لديه
            فخير القوم أوفرهم بضاعه     وليس يلام في هذا بحال
            لأن الشيخ أفلت من مجاعه



            ثم زاد الأمر ، حتى تحكم أصحابه ، فكانوا يطلقون الأموال ويفسدون الأحوال ، فانحلت القواعد ، وخبثت النيات ، واشتغل الخليفة بعزل وزرائه والقبض عليهم ، والرجوع إلى قول النساء والخدم ، والتصرف على مقتضى آرائهم ، فخرجت الممالك ، وطمع العمال في الأطراف ، وكان ما نذكره فيما بعد .

            ثم إن الخليفة أحضر الوزير ابن الفرات من محبسه ، فجعله عنده في بعض الحجر مكرما ، فكان يعرض عليه مطالعات العمال وغير ذلك ، وأكرمه ، وأحسن إليه ، بعد أن أخذ أمواله .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية