الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            وفي سنة إحدى وثلاثمائة كثرت الأمراض الدموية ، ومات بها خلق كثير وأكثرهم بالحربية ، فإنها أغلقت بها دور كثيرة لفناء أهلها . وفيها في صفر ، ( عزل أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان عن الموصل ) ، وقلد يمن الطولوني المعونة بالموصل ، ثم صرف عنها في هذه السنة ، واستعمل عليها نحرير ( الخادم ) الصغير .

            وفيها خالف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان على المقتدر فسير إليه مؤنس المظفر وعلى مقدمته بني بن نفيس ، خرج إلى الموصل منتصف صفر ومعه جماعة من القواد ، وخرج مؤنس في ربيع الأول ، فلما علم أبو الهيجاء بذلك قصد مؤنسا مستأمنا من تلقاء نفسه ، وورد معه إلى بغداذ ، فخلع المقتدر عليه .

            وفيها توفي دميانة أمير الثغور وبحر الروم  ، وقلد مكانه ابن بلك . وفيها غزا الحسين بن حمدان الصائفة ففتح حصونا كثيرة من بلاد الروم وقتل أمما لا يحصون كثرة .

            وفيها عزل المقتدر محمد بن عبيد الله عن وزارته وقلدها علي بن عيسى ، وكان من خيار الوزراء وأقصدهم للعدل والإحسان واتباع الحق . وفيها وصلت هدايا صاحب عمان وفيها ببغة بيضاء وغزال أسود .

            وفي شعبان منها ركب المقتدر إلى باب الشماسية على الخيل ثم انحدر إلى داره في دجلة ، وكانت أول ركبة ركبها جهرة للعامة . وفيها جيء بالحسين بن منصور الحلاج  إلى بغداد وهو مشهور على جمل وغلام له راكب جملا آخر ينادي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة  فاعرفوه . ثم حبس ثم أحضر إلى مجلس الوزير فناظره فإذا هو لا يقرأ القرآن ولا يعرف من الحديث ولا الفقه ولا اللغة ولا الأخبار ولا الشعر شيئا ، وكان الذي نقم عليه أنه وجدت له رقاع يدعو فيها الناس إلى الضلالة والجهالة بأنواع من الرموز ، يقول في مكاتباته كثيرا : تبارك ذو النور الشعشعاني ، فقال له الوزير علي بن عيسى : تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها وما أحوجك إلى الأدب ، ثم أمر به فصلب حيا صلب الاشتهار لا القتل ، ثم أنزل فأجلس في دار الخلافة ، فجعل يظهر لهم أنه على السنة وأنه زاهد حتى اغتر به كثير من الخدام وغيرهم من أهل دار الخلافة من الجهلة والطغام حتى صاروا يتبركون به ويتمسحون بثيابه . وسيأتي ما صار إليه أمره حتى قتل بإجماع الفقهاء . وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي . وفي هذه السنة: جرت ملاحة بين ابن الجصاص ، وإبراهيم بن [أحمد] المادرائي ، فقال إبراهيم بن أحمد: مائة ألف دينار من مالي صدقة ، لقد أبطلت في الذي حكيته عني ، فقال [له] ابن الجصاص قفيز دنانير من مالي صدقة لقد صدقت وأبطلت في قولك ، فقال له إبراهيم المادرائي : من جهلك أنك لا تعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز ، فعجب الناس من كلامهما ، واعتبر هذا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية