ذكر عدة حوادث
في سنة عشر وثلاثمائة بشفاعة مؤنس الخادم وحمل إليه ، ودخل إلى المقتدر ، وخلع عليه ، ثم عقد له على الري ، وقزوين ، وأبهر ، وزنجان ، وأذربيجان ، وقرر عليه خمسمائة ألف دينار محمولة كل سنة إلى بيت المال سوى أرزاق العساكر الذين بهذه البلاد فبعث إلى مؤنس يطلب منه إنفاذ أبي بكر ابن الآدمي القارئ ، فخاف أبو بكر لأنه كان [قد] قرأ بين يديه يوم شهر: أطلق المقتدر يوسف بن أبي الساج من الحبس وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقال له مؤنس: لا تخف فأنا شريكك في الجائزة فمضى ، فدخل عليه ، فقال: هاتوا [كرسيا] لأبي بكر ، فجلس فقال: اقرأ ، فقرأ: وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فقال: لا أريد هذا بل أريد لتقرأ ما قرأته بين يدي حين شهرت: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقرأ فبكى ، وقال: هذه الآية كانت سبب توبتي من كل محظور ، ولو أمكنني ترك خدمة السلطان لتركت ، وأمر له بمال .
قال ابن الجوزي] : وقد ذكرنا أنه شهر في سنة إحدى وسبعين ومائتين وحينئذ قرأ بين يديه وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة وذلك في خلافة المعتمد ، وفي هذه السنة استزاره فأكرمه وذلك في خلافة المقتدر . وخلع في هذا اليوم على وصيف البكتمري ، وعلى طاهر ويعقوب ابني محمد بن الليث .
وتجهز يوسف ، وضم إليه المقتدر بالله العساكر مع وصيف البكتمري وسار عن بغداذ في جمادى الآخرة إلى أذربيجان ، وأمر أن يجعل طريقه على الموصل ، وينظر في أمور ديار ربيعة ، فقدم إلى الموصل ، ونظر في الأعمال ، وسار إلى أذربيجان ، فرأى غلامه سبكا قد مات .
وفيها وصلت هدية إلى أبي زقبور الحسين بن أحمد المادراني من مصر وفيها بغلة ، ومعها فلو يتبعها ، ويرضع منها ، وغلام طويل اللسان ، يلحق لسانه أرنبة أنفه .
وفيها قبض المقتدر على أم موسى القهرمانة ، وكان سبب ذلك أنها زوجت ابنة أختها من أبي العباس أحمد بن محمد بن إسحاق بن المتوكل على الله ، وكان محسنا ، له نعمة ظاهرة ، ومروءة حسنة ، وكان يرشح للخلافة ، فلما صاهرته أكثرت من النثار والدعوات ، وخسرت أموالا جليلة ، فتكلم أعداؤها ، وسعوا بها إلى المقتدر ، وقالوا إنها قد سعت لأبي العباس في الخلافة ، وحلفت له القواد ، ( وكثر القول عليها ) ، فقبض عليها ، وأخذ منها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة .
( وفيها غزا المسلمون في البر والبحر ، فغنموا وسلموا ) .
وفيها كان بالموصل شغب من العامة ، وقتلوا خليفة محمد بن نصر الحاجب بها ، فتجهز العسكر من بغداذ إلى الموصل .
وفيها ، في جمادى الآخرة ، انقض كوكب عظيم له ذنب في المشرق في برج السنبلة ، طوله نحو ذراعين .
وفيها سار محمد بن نصر الحاجب من الموصل إلى الغزاة ( على قاليقلا ) ، فغزا الروم من تلك الناحية ، ودخل أهل طرسوس ملطية ، فظفروا ، وبلغوا من بلاد الروم والظفر بهم ما لم يظنوه وعادوا . وفيها مرض علي بن عيسى الوزير فجاءه هارون ابن المقتدر ليعوده ، فبسط له الطريق فلما اقترب من داره تحامل وخرج إليه فبلغه سلام الخليفة ، وجاء مؤنس الخادم معه ثم جاء الخبر بأن الخليفة قد عزم على عيادته فاستعفى من مؤنس الخادم ، وركب على جهد عظيم حتى سلم على الخليفة حتى لا يكلفه الركوب إليه . وفي يوم الخميس لعشر بقين من ربيع الآخر ولى المقتدر منصب القضاء أبا الحسين عمر بن الحسين بن علي الشيباني المعروف بابن الأشناني وكان من حفاظ الحديث وفقهاء الناس ، ولكنه عزل بعد ثلاثة أيام وكان قبل ذلك محتسبا ببغداد .
وفيها عزل محمد بن عبد الصمد عن شرطة بغداد ووليها نازوك وخلع عليه . وفي هذا الشهر قرئت الكتب على المنابر بما كان من الفتوح ببلاد الروم . وفي هذه السنة ورد الخبر بأنه انشق بأرض واسط فلوع من الأرض سبعة عشر موضعا أكبرها طوله ألف ذراع وأقلها مائتا ذراع وأنه غرق من أمهات القرى ألف وثلاثمائة قرية .
وحج بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي . وفي رمضان قلد المطلب بن إبراهيم الهاشمي الصلاة في جامع الرصافة ببغداد .
وفي يوم الفطر ركب الأمير أبو العباس ابن المقتدر إلى المصلى ومعه الوزير حامد بن العباس ، وعلي بن عيسى ، ومؤنس المظفر ، والجيش . وصلى بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي .
وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة أخرج رأس الحسين بن منصور الحلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان .