الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة عشر وثلاثمائة أطلق المقتدر يوسف بن أبي الساج من الحبس  بشفاعة مؤنس الخادم وحمل إليه ، ودخل إلى المقتدر ، وخلع عليه ، ثم عقد له على الري ، وقزوين ، وأبهر ، وزنجان ، وأذربيجان ، وقرر عليه خمسمائة ألف دينار محمولة كل سنة إلى بيت المال سوى أرزاق العساكر الذين بهذه البلاد فبعث إلى مؤنس يطلب منه إنفاذ أبي بكر ابن الآدمي القارئ ، فخاف أبو بكر لأنه كان [قد] قرأ بين يديه يوم شهر: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقال له مؤنس: لا تخف فأنا شريكك في الجائزة فمضى ، فدخل عليه ، فقال: هاتوا [كرسيا] لأبي بكر ، فجلس فقال: اقرأ ، فقرأ: وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فقال: لا أريد هذا بل أريد لتقرأ ما قرأته بين يدي حين شهرت: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقرأ فبكى ، وقال: هذه الآية كانت سبب توبتي من كل محظور ، ولو أمكنني ترك خدمة السلطان لتركت ، وأمر له بمال .

            قال ابن الجوزي] : وقد ذكرنا أنه شهر في سنة إحدى وسبعين ومائتين وحينئذ قرأ بين يديه وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة وذلك في خلافة المعتمد ، وفي هذه السنة استزاره فأكرمه وذلك في خلافة المقتدر . وخلع في هذا اليوم على وصيف البكتمري ، وعلى طاهر ويعقوب ابني محمد بن الليث .

            وتجهز يوسف ، وضم إليه المقتدر بالله العساكر مع وصيف البكتمري وسار عن بغداذ في جمادى الآخرة إلى أذربيجان ، وأمر أن يجعل طريقه على الموصل ، وينظر في أمور ديار ربيعة ، فقدم إلى الموصل ، ونظر في الأعمال ، وسار إلى أذربيجان ، فرأى غلامه سبكا قد مات .

            وفيها وصلت هدية إلى أبي زقبور الحسين بن أحمد المادراني من مصر وفيها بغلة ، ومعها فلو يتبعها ، ويرضع منها ، وغلام طويل اللسان ، يلحق لسانه أرنبة أنفه .

            وفيها قبض المقتدر على أم موسى القهرمانة ، وكان سبب ذلك أنها زوجت ابنة أختها من أبي العباس أحمد بن محمد بن إسحاق بن المتوكل على الله ، وكان محسنا ، له نعمة ظاهرة ، ومروءة حسنة ، وكان يرشح للخلافة ، فلما صاهرته أكثرت من النثار والدعوات ، وخسرت أموالا جليلة ، فتكلم أعداؤها ، وسعوا بها إلى المقتدر ، وقالوا إنها قد سعت لأبي العباس في الخلافة ، وحلفت له القواد ، ( وكثر القول عليها ) ، فقبض عليها ، وأخذ منها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة .

            ( وفيها غزا المسلمون في البر والبحر ، فغنموا وسلموا ) .

            وفيها كان بالموصل شغب من العامة ، وقتلوا خليفة محمد بن نصر الحاجب بها ، فتجهز العسكر من بغداذ إلى الموصل .

            وفيها ، في جمادى الآخرة ، انقض كوكب عظيم له ذنب في المشرق في برج السنبلة ، طوله نحو ذراعين .

            وفيها سار محمد بن نصر الحاجب من الموصل إلى الغزاة ( على قاليقلا ) ، فغزا الروم من تلك الناحية ، ودخل أهل طرسوس ملطية ، فظفروا ، وبلغوا من بلاد الروم والظفر بهم ما لم يظنوه وعادوا . وفيها مرض علي بن عيسى الوزير فجاءه هارون ابن المقتدر ليعوده ، فبسط له الطريق فلما اقترب من داره تحامل وخرج إليه فبلغه سلام الخليفة ، وجاء مؤنس الخادم معه ثم جاء الخبر بأن الخليفة قد عزم على عيادته فاستعفى من مؤنس الخادم ، وركب على جهد عظيم حتى سلم على الخليفة حتى لا يكلفه الركوب إليه . وفي يوم الخميس لعشر بقين من ربيع الآخر ولى المقتدر منصب القضاء أبا الحسين عمر بن الحسين بن علي الشيباني المعروف بابن الأشناني وكان من حفاظ الحديث وفقهاء الناس ، ولكنه عزل بعد ثلاثة أيام وكان قبل ذلك محتسبا ببغداد .

            وفيها عزل محمد بن عبد الصمد عن شرطة بغداد ووليها نازوك وخلع عليه . وفي هذا الشهر قرئت الكتب على المنابر بما كان من الفتوح ببلاد الروم . وفي هذه السنة ورد الخبر بأنه انشق بأرض واسط فلوع من الأرض سبعة عشر موضعا أكبرها طوله ألف ذراع وأقلها مائتا ذراع وأنه غرق من أمهات القرى ألف وثلاثمائة قرية .

            وحج بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي . وفي رمضان قلد المطلب بن إبراهيم الهاشمي الصلاة في جامع الرصافة ببغداد .

            وفي يوم الفطر ركب الأمير أبو العباس ابن المقتدر إلى المصلى ومعه الوزير حامد بن العباس ، وعلي بن عيسى ، ومؤنس المظفر ، والجيش . وصلى بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي .

            وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة أخرج رأس الحسين بن منصور الحلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية