الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ابتداء الوحشة بين المقتدر ومؤنس  

            في سنة خمس عشرة وثلاثمائة هاجت الروم ، وقصدوا الثغور ، ودخلوا سميساط ، وغنموا جميع ما فيها من مال وسلاح وغير ذلك ، وضربوا في الجامع بالناقوس أوقات الصلوات .

            ثم إن المسلمين خرجوا في أثر الروم ، وقاتلوهم ، وغنموا منهم غنيمة عظيمة ، فأمر المقتدر بالله بتجهيز العساكر مع مؤنس المظفر ، وخلع المقتدر عليه ، في ربيع الآخر ، ليسير ، فلما لم يبق إلا الوداع امتنع مؤنس من دخول دار الخليفة للوداع ، واستوحش من المقتدر بالله ( وظهر ذلك .

            وكان سببه أن خادما من خدام المقتدر حكى لمؤنس أن المقتدر بالله ) أمر خواص خدمه أن يحفروا جبا في دار الشجرة ، ويغطوه ببراية وتراب ، وذكر أنه يجلس فيه لوداع مؤنس ، فإذا حضر وقاربها ألقاه الخدم فيها ، وخنقوه ، وأظهروه ميتا ، فامتنع مؤنس من دخول دار الخليفة ، وركب إليه جميع الأجناد ، وفيهم عبد الله بن حمدان وإخوته ، وخلت دار الخليفة ، وقالوا لمؤنس : نحن نقاتل بين يديك إلى أن تنبت لك لحية ، فوجه إليه المقتدر رقعة بخطه يحلف له على بطلان ما بلغه ، فصرف مؤنس الجيش ، وكتب الجواب أنه العبد المملوك ، وأن الذي أبلغه ذلك قد كان وضعه من يريد إيحاشه من مولاه ، وأنه ما استدعى الجند ، وإنما هم حضروا ، وقد فرقهم .

            فطابت نفسه ، وركب إلى دار الخلافة في غلمان قلائل ، فلما دخل على الخليفة خاطبه مخاطبة عظيمة ، وحلف له أنه طيب القلب عليه ، وله عنده الصفاء الذي يعرفه ، وخرج من بين يديه معظما مكرما ، وركب أبو العباس بن المقتدر ، والوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب في خدمته لتوديعه ، وكبار الأمراء بين يديه مثل الحجبة ، وكان خروجه يوما مشهودا ، قاصدا بلاد الثغور لقتال الروم . فلما بلغ الوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب ] معه إلى دار مبارك القمي حلف عليهما بأن يرجعا ، فعدلا إلى شاطئ دجلة وانصرفا في طياريهما ، وصار باقي القواد والأستاذان معه إلى مضربه ، وكان سليمان بن الحسن يسايره ، وهارون بن غريب ، ويلبق ، وبشرى ، ونازوك ، وطريف العسكري يسيرون بين يديه كما تسير الحجاب ، ورحل مؤنس من مضربه يوم الأحد لليلتين بقيتا من ربيع الآخر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية