قبض الوزير سليمان ووزارة أبي القاسم الكلوذاني
وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة قبض المقتدر على وزيره سليمان بن الحسن .
وكان سبب ذلك أن سليمان ضاقت الأموال عليه إضاقة شديدة ، وكثرت عليه المطالبات ، ووقفت وظائف السلطان ، واتصلت رقاع من يرشح نفسه للوزارة بالسعاية لها والضمان بالقيام بالوظائف ، وأرزاق الجند ، وغير ذلك ، فقبض عليه ، ونقله إلى داره .
وكان المقتدر كثير الشهوة لتقليد الحسن بن القاسم الوزارة ، فامتنع مؤنس من ذلك ، وأشار بوزارة أبي القاسم الكلوذاني ، فاضطر المقتدر إلى ذلك ، فاستوزره لثلاث بقين من رجب ، فكانت وزارة سليمان سنة واحدة وشهرين ، وكانت وزارته غير متمكنة أيضا ، فإنه كان علي بن عيسى معه على الدواوين وسائر الأمور ، وأفرد علي بن عيسى ( عنه بالنظر في المظالم ) ، واستعمل على ديوان السواد غيره ، فانقطعت مواد الوزير ، فإنه كان يقيم من قبله من يشتري توقيعات أرزاق جماعة لا يمكنهم مفارقة ما هم عليه بصدده من الخدمة ، فكان يعطيهم نصف المبلغ ، وكانت إدرارات الفقهاء وأرباب البيوت إلى غير ذلك .
وكان أبو بكر بن قرابة منتميا إلى مفلح الخادم ، فأوصله إلى المقتدر ، فذكر له أنه يعرف وجوه مرافق الوزراء ، فاستعمله عليها ليصلحه للخليفة ، فسعى في تحصيل ذلك من العمال ، والضمان ، والتناء ، وغيرهم ، فأخلق بذلك الخلافة وفضح الديوان ووقفت أحوال الناس ، فإن الوزراء وأرباب الولايات لا يقومون بأشغال الرعايا والتعب معهم إلا لرفق يحصل لهم ، وليس لهم من الدين ما يحملهم على النظر في أحوالهم ، فإنه بعيد منهم ، فإذا منعوا تلك المرافق ( تركوا الناس يضطربون ) ، ولا يجدون من يأخذ بأيديهم ، ولا يقضي حوائجهم ، فإني قد رأيت هذا عيانا في زماننا هذا ، وفات به من المصالح العامة والخاصة ما لا يحصى .