ذكر عصيان روزبهان على معز الدولة
في هذه السنة خرج روزبهان ( بن ) ونداد خرشيد الديلمي على معز الدولة ، وعصى عليه ، وخرج أخوه بلكا بشيراز ، وخرج أخوهما أسفار بالأهواز ، ولحق روزبهان إلى الأهواز ، وكان يقاتل عمران بالبطيحة ، فعاد إلى واسط وسار إلى الأهواز في رجب ، وبها الوزير المهلبي ، فأراد محاربة روزبهان ، فاستأمن رجاله إلى روزبهان ، فانحاز المهلبي عنه .
وورد الخبر بذلك إلى معز الدولة فلم يصدقه لإحسانه إليه ، لأنه رفعه بعد الضعة ، ونوه بذكره بعد الخمول ، فتجهز معز الدولة إلى محاربته ، ومال الديلم بأسرهم إلى روزبهان ، ولقوا معز الدولة بما يكره ، واختلفوا عليه وتتابعوا على المسير إلى روزبهان ، وسار معز الدولة عن بغداذ خامس شعبان ، وخرج الخليفة المطيع لله منحدرا إلى معز الدولة ; لأن ناصر الدولة لما بلغه الخبر ، سير العساكر من الموصل مع ولده أبي المرجى جابر لقصد بغداذ والاستيلاء عليها ، فلما بلغ ذلك الخليفة ، انحدر من بغداذ ، فأعاد معز الدولة الحاجب سبكتكين وغيره ممن يثق بهم من عسكره إلى بغداذ ، فشغب الديلم الذين ببغداد ، فوعدوا بأرزاقهم فسكنوا وهم على قنوط من معز الدولة .
( وأما معز الدولة ) فإنه سار إلى أن بلغ قنطرة أربق ، فنزل هناك وجعل على الطرق من يحفظ أصحاب الديلم من الاستئمان إلى روزبهان ، لأنهم كانوا يأخذون العطاء منه ثم يهربون عنه ، وكان اعتماد معز الدولة على أصحابه الأتراك ومماليكه ونفر يسير من الديلم .
فلما كان سلخ رمضان ، أراد معز الدولة العبور هو وأصحابه الذين يثق بهم إلى محاربة روزبهان ، فاجتمع الديلم وقالوا لمعز الدولة : إن كنا رجالك ، فأخرجنا معك نقاتل بين يديك ، فإنه لا صبر لنا على القعود مع الصبيان والغلمان ، فإن ظفرت كان الاسم لهؤلاء دوننا ، وإن ظفر عدوك لحقنا العار ، وإنما قالوا هذا الكلام خديعة ليمكنهم من العبور معه فيتمكنوا ( منه ، فلما سمع قولهم ) سألهم التوقف ، وقال : إنما أريد [ أن ] أذوق حربهم ثم أعود ، فإذا كان الغد لقيناهم بأجمعنا وناجزناهم ، وكان يكثر لهم العطاء فأمسكوا عنه .
وعبر معز الدولة ، وعبأ أصحابه كراديس تتناوب الحملات ، فما زالوا كذلك إلى غروب الشمس ، ففني نشاب الأتراك وتعبوا ، وشكوا إلى معز الدولة ما أصابهم من التعب ، وقالوا : نستريح الليلة ونعود غدا ، فعلم معز الدولة أنه إن رجع ، زحف إليه روزبهان والديلم ، وثار معهم أصحابه الديلم ، فيهلك ولا يمكنه الهرب ، فبكى بين يدي أصحابه ، وكان سريع الدمعة ، ثم سألهم أن تجمع الكراديس كلها ويحملوا حملة واحدة ، ( وهو في أولهم ) ، فإما أن يظفروا ، وإما أن يقتل ( أول من يقتل ) ، فطالبوه بالنشاب ، فقال : قد بقي مع صغار الغلمان نشاب ، فخذوه واقسموه .
وكان جماعة صالحة من الغلمان الأصاغر تحتهم الخيل الجياد ، وعليهم اللبس الجيد ، وكانوا سألوا معز الدولة أن يأذن لهم في الحرب ، فلم يفعل ، وقال : إذا جاء وقت يصلح لكم أذنت لكم في القتال ، فوجه إليهم تلك الساعة من يأخذ منهم النشاب ، وأومأ معز الدولة إليهم بيده أن اقبلوا منه وسلموا إليه النشاب ، فظنوا أنه يأمرهم بالحملة ، فحملوا وهم مستريحون ، فصدموا صفوف روزبهان فخرقوها ، وألقوا بعضها فوق بعض ، فصاروا خلفهم ، وحمل معز الدولة فيمن معه باللتوت ، فكانت الهزيمة على روزبهان وأصحابه ، وأخذ روزبهان أسيرا وجماعة من قواده ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، وكتب معز الدولة ( بذلك ، فلم يصدق الناس ) لما علموا من قوة روزبهان وضعف معز الدولة ، وعاد إلى بغداذ ومعه روزبهان ليراه الناس ، وسير سبكتكين إلى أبي المرجى بن ناصر الدولة ، وكان بعكبرا ، فلم يلحقه لأنه لما بلغه الخبر ، عاد إلى الموصل ، وسجن معز الدولة روزبهان ، فبلغه أن الديلم قد عزموا على إخراجه قهرا والمبايعة له ، فأخرجه ليلا وغرقه .
وأما أخو روزبهان الذي خرج بشيراز ، فإن الأستاذ أبا الفضل بن العميد سار إليه في الجيوش ، فقاتله فظفر به ، وأعاد عضد الدولة ( بن ركن الدولة ) إلى ملكه ، وانطوى خبر روزبهان وإخوته ، وكان قد اشتعل اشتعال النار .
وقبض معز الدولة على جماعة من الديلم ، وترك من سواهم ، واصطنع الأتراك وقدمهم ، وأمرهم بتوبيخ الديلم والاستطالة عليهم ، ثم أطلق للأتراك إطلاقات زائدة على واسط ( والبصرة ) ، فساروا لقبضها مدلين بما صنعوا ، فأخربوا البلاد ونهبوا الأموال ، وصار ضررهم أكثر من نفعهم .