الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            2586 - أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس ، أبو بكر النجاد   .

            ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، وسمع أبا داود ، والباغندي ، وأبا بكر بن أبي الدنيا ، وعبد الله بن أحمد ، وخلقا كثيرا ، وكان يمشي في طلب الحديث حافيا ، وجمع المسند ، وصنف في السنن كتابا كبيرا ، وكانت له في جامع المنصور يوم الجمعة حلقتان قبل الصلاة وبعدها : إحداهما للفتوى في الفقه على مذهب أحمد ، والأخرى لإملاء الحديث ، روى عنه أبو بكر بن مالك ، والدارقطني ، وابن شاهين ، وابن رزقويه ، وغيرهم .

            قال أبو إسحاق الطبري : كان أحمد بن سلمان يصوم الدهر ، ويفطر كل ليلة على رغيف ، ويترك منه لقمة ، فإذا كان في الجمعة تصدق بذلك الرغيف ، وأكل تلك اللقم التي استفضلها .

            توفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة من هذه السنة عن خمس وتسعين ودفن قريبا من [قبر] بشر الحافي .

            2587 - إبراهيم بن شيبان ، أبو إسحاق القرميسيني   .

            شيخ المتصوفة بالجبل ، صحب أبا عبد الله المغربي ، وإبراهيم الخواص ، وكان يقول: الخوف إذا سكن القلب أحرق مواضع الشهوات فيه ، وطرد عنه رغبة الدنيا .

            2588 - جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم ، أبو محمد الخواص ، المعروف: بالخلدي   .

            سافر الكثير ، وسمع الحديث الكثير ، وروى علما كثيرا ، روى عنه الدارقطني ، وابن شاهين وخلق كثير ، وكان [ثقة] صدوقا دينا ، حج ستين حجة .

            وتوفي في رمضان هذه السنة .

            2589 - شريرة الرائقية   .

            جارية مولدة كانت لابنة ابن حمدون النديم ، وكانت سمراء موصوفة بحسن الغناء ، فاشتراها أبو بكر محمد بن رائق من مواليها بثلاثة عشر ألف دينار على يد أبي جعفر بن حمدون ، وأعطى أبا جعفر عن دلالته ألف دينار ، ثم قتل عنها فتزوجها الحسين بن أبي العلاء بن سعيد بن حمدان . توفيت في رجب هذه السنة .

            2590 - علي [بن أحمد] بن سهل ، أبو الحسن البوشنجي   .

            لقي أبا عثمان ، وصحب ابن عطاء والجريري ، وكان دينا متعمدا للفقر ، وأسند الحديث ، وتوفي في هذه السنة .

            قال: أبو العباس محمد بن الحسن البغدادي : سألت أبا الحسن البوشنجي عن التصوف فقال: اسم ولا حقيقة ، وقد كان قبل حقيقة ولا اسم .

            2591 - علي بن محمد بن الزبير ، أبو الحسن ، القرشي ، الكوفي   .

            ولد سنة أربع وخمسين ومائتين ، ونزل بغداد ، وحدث بها عن جماعة ، فروى عنه ابن رزقويه ، وابن شاذان ، وكان ثقة ، توفي في ذي القعدة من هذه السنة .

            2592 - محمد بن إبراهيم بن يوسف بن محمد أبو عمر الزجاجي النيسابوري  

            .

            صحب أبا عثمان ، والجنيد ، والنوري ، والخواص وغيرهم ، وأقام بمكة وصار شيخها ، حج قريبا من ستين حجة ، وقيل: إنه لم يبل ولم يتغوط في الحرم [منذ] أربعين سنة ، وهو به مقيم ، وتوفي في هذه السنة .

            2593 - محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم ، أبو بكر السوسي   .

            قدم بغداد في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، وحدث بها أحاديث مستقيمة ، فروى عنه الدارقطني ، وابن رزقويه ، وغيرهما ، [وتوفي في هذه السنة] .

            2594 - محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان [بن سنان] أبو طالب التنوخي   .

            أصله من الأنبار ، سمع أبا مسلم الكجي ، وبشر بن موسى الأسدي ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وغيرهم .

            قال طلحة [بن محمد] بن جعفر الشاهد : لم يزل أحمد بن إسحاق بن البهلول على قضاء المدينة - يعني مدينة المنصور - من سنة ست وتسعين ومائتين إلى ربيع الأول سنة ست عشرة وثلاثمائة وكان ربما اعتل فيخلفه ابنه أبو طالب محمد ، وهو رجل جميل الأمر ، حسن المذهب ، شديد التصون ، وممن كتب العلم ، وحدث بعد أبيه بسنتين .

            قال علي بن عمرو الجريري : توفي أبو طالب بن البهلول في يوم الأحد ضحوة لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة .

            2595 - محمد بن أحمد بن تميم ، أبو الحسن الخياط القنطري   .

            كان ينزل قنطرة البردان ، ولد في صفر سنة تسع وخمسين ومائتين ، وحدث عن أبي قلابة الرقاشي ، ومحمد بن سعد العوفي الكديمي ، وغيرهم ، وتوفي يوم الجمعة سلخ شعبان في هذه السنة . قال محمد بن أبي الفوارس: كان فيه لبن .

            2596 - [محمد بن أحمد بن عيسى بن عبدك ، أبو بكر الرازي  

            ، سكن بغداد ، وحدث بها عن جماعة . وروى عنه الدارقطني ، وابن رزقويه ، وكان ثقة .

            توفي في جمادى الأولى من هذه السنة] .

            2597 - محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة بن زيد بن عبد الملك ، أبو بكر الآدمي القارئ الشاهد صاحب الألحان   .

            كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، ولد في رجب سنة ستين ومائتين ، وحدث عن أحمد بن عبيد ابن ناصح ، والحارث بن محمد بن أبي أسامة ، وعبد الله بن أحمد:

            الدورقي ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم . وروى عنه ابن رزقويه ، وابن شاذان ، وابن بشران ، وغيرهم .

            قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الأسدي : سمعت أبي يقول: حججت في بعض السنين ، وحج في تلك السنة أبو القاسم البغوي ، وأبو بكر الآدمي القارئ ، فلما صرنا بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءني أبو القاسم البغوي فقال لي: يا أبا بكر ها هنا رجل ضرير قد جمع حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد يقص [ويروي] الكذب من الأحاديث الموضوعة والأخبار المفتعلة ، فإني رأيت أن تمضي بنا إليه لننكر عليه ونمنعه ، فقلت له: يا أبا القاسم ، إن كلامنا ها هنا لا يؤثر مع هذا الجمع الكثير ، والخلق العظيم ، ولسنا ببغداد ، فيعرف لنا موضعنا ، ولكن ها هنا أمر آخر هو الصواب ، فأقبلت على أبي بكر الآدمي فقلت له: استعذ بالله واقرأ ، فما هو إلا أن ابتدأ بالقراءة حتى انجلفت [الحلقة] وانفض الناس جميعا ، فأحاطوا بنا يسمعون قراءة أبي بكر الآدمي وتركوا الضرير وحده ، فسمعته يقول لقائده: خذ بيدي هكذا تزول النعم .

            قال ذرة الصوفي : كنت بائتا بكلواذى على سطح عال ، فلما هدأ الليل قمت لأصلي ، فسمعت صوتا ضعيفا يجيء من بعد فأصغيت إليه وتأملته ، فإذا هو صوت لأبي بكر الآدمي القارئ ، فقدرته منحدرا في دجلة ، وأصغيت فلم أجد الصوت يقرب ولا يزيد على ذلك القدر ساعة ثم انقطع ، فشككت في الأمر ، وصليت ونمت ، وبكرت فدخلت بغداد على ساعتين من النهار أو أقل ، وكنت مجتازا في السمارية ، فإذا بأبي بكر الآدمي ينزل إلى الشط من دار أبي عبد الله الموسوي العلوي التي تقرب من فرضة جعفر على دجلة ، فصعدت إليه وسألته عن خبره ، فأخبرني بسلامته وقلت: أين كنت البارحة؟ فقال: في هذه الدار . فقلت: قرأت؟ قال: نعم .

            قلت: أي وقت؟ قال: بعد نصف الليل إلى قريب من الثلث الآخر قال: فنظرت فإذا هو الوقت الذي سمعت فيه صوته بكلواذى ، فعجبت من ذلك عجبا شديدا بان له في فقال:

            مالك؟ فقلت: إني سمعت صوتك البارحة وأنا على سطح بكلواذى ، وتشككت ، فلولا أنك أخبرتني الساعة على غير اتفاق ما صدقته . قال: فاحكها عني ، فأنا أحكيها دائما .

            توفي أبو بكر الآدمي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ربيع الأول ، ودفن في هذا اليوم في الصفة التي بحذاء قبر معروف الكرخي .

            قال محمد بن أبي الفوارس: سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة فيها مات [محمد بن جعفر] أبو بكر الآدمي وكان قد خلط فيما حدث [به] .

            قال أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل بن بويه : رأيت أبا بكر الآدمي في النوم بعد موته بمديدة فقلت له ما فعل الله بك؟ فقال لي: وقفني بين يديه ، وقاسيت شدائد وأمورا صعبة . فقلت له: فتلك الليالي والمواقف والقرآن؟ فقال: ما كان شيء أضر علي منها ، لأنها كانت للدنيا . فقلت له: فإلى أي شيء انتهى أمرك؟ قال: قال لي الله عز وجل آليت على نفسي أن لا أعذب أبناء الثمانين . وممن توفي فيها من الأعيان :

            أبو محمد عبد الله بن أحمد  بن علي بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي المصري ، كان من ساداتها وكرمائها وأجوادها ، لا تزال الحلواء تعقد بداره ، ولا يزال رجل يكسر اللوز بسببها كل يوم ببابه ، وللناس عليه رواتب الحلواء ، فمنهم من يهدى إليه كل يوم ، ومنهم في الجمعة ، وفي الشهر .

            وكان لكافور الإخشيدي في كل يوم جامان ورغيف من الحوارى ، ولما قدم المعز الفاطمي إلى القاهرة تلقاه وسأله : إلى من ينتسب مولانا من أهل البيت ؟ فقال : الجواب إلى أهل البلد . فلما دخل القصر جمع الأشراف ، وسل نصف سيفه ، وقال : هذا نسبي ، ثم نثر عليهم الذهب ، وقال : هذا حسبي ، فقالوا : سمعنا وأطعنا . والصحيح : أن القائل للمعز هذا الكلام ابن هذا أو شريف آخر ، والله أعلم ; فإن وفاة هذا كانت في هذا العام عن ثنتين وستين سنة ، والمعز إنما قدم مصر في سنة ثنتين وستين وثلاثمائة ، كما سيأتي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية