الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر ملك القرامطة دمشق

             في هذه السنة ، في ذي القعدة ، وصل القرامطة إلى دمشق فملكوها ، وقتلوا جعفر بن فلاح .

            وسبب ذلك أنهم لما بلغهم استيلاء جعفر بن فلاح على الشام أهمهم وأزعجهم وقلقوا ( لأنه ) كان قد تقرر بينهم وبين ابن طغج أن يحمل إليهم كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، فلما ملكها جعفر علموا أن المال يفوتهم ، فعزموا على قصد الشام ، وصاحبهم حينئذ الحسين بن أحمد بن بهرام القرمطي ، فأرسل إلى عز الدولة بختيار يطلب منه المساعدة بالسلاح والمال ، فأجابه إلى ذلك ، واستقر الحال أنهم إذا وصلوا ( إلى الكوفة سائرين إلى الشام حمل الذي استقر ، فلما وصلوا " إلى الكوفة أوصل إليهم ذلك ، وساروا إلى دمشق .

            وبلغ خبرهم إلى جعفر بن فلاح فاستهان بهم ولم يحترز منهم ، فلم يشعر بهم حتى كبسوه بظاهر دمشق وقتلوه وأخذوا ماله وسلاحه ودوابه ، وملكوا دمشق ، وأمنوا أهلها ، وساروا إلى الرملة ، واستولوا على جميع ما بينهما .

            فلما سمع من بها من المغاربة خبرهم ساروا عنها إلى يافا فتحصنوا بها ، وملك القرامطة الرملة ، وساروا إلى مصر ، وتركوا على يافا من يحصرها ، فلما وصلوا إلى مصر اجتمع معهم خلق كثير والجند والإخشيدية والكافورية ، فاجتمعوا بعين شمس عند مصر ، واجتمع عساكر جوهر وخرجوا إليهم ، فاقتتلوا غير مرة ، الظفر في جميع تلك الأيام للقرامطة ، وحصروا المغاربة حصرا شديدا ، ثم إن المغاربة خرجوا في بعض الأيام من مصر ، وحملوا على ميمنة القرامطة ، فانهزم من بها من العرب وغيرهم ، وقصدوا سواد القرامطة فنهبوه ، فاضطروا إلى الرحيل ، فعادوا إلى الشام ، فنزلوا الرملة .

            ثم حصروا يافا حصرا شديدا ، وضيقوا على من بها ، فسير جوهر من مصر نجدة إلى أصحابه المحصورين بيافا ، ومعهم ميرة في خمسة عشر مركبا ، فأرسل القرامطة مراكبهم إليها ، فأخذوا مراكب جوهر ، ولم ينج منها غير مركبين ، فغنمها مراكب الروم .

            وللحسين بن بهرام مقدم القرامطة شعر ، فمنه في المغاربة أصحاب المعز لدين الله :

            زعمت رجال الغرب أني هبتها فدمي إذا ما بينهم مطلول     يا مصر إن لم أسق أرضك من
            دم يروي ثراك فلا سقاني النيل

            التالي السابق


            الخدمات العلمية