وفيها كان دخول المعز الفاطمي إلى الديار المصرية ، وصحبته توابيت آبائه فوصل إلى الإسكندرية في شعبان منها ، وقد تلقاه أعيان مصر إليها ، فخطب الناس هنالك خطبة بليغة ارتجالا ، ذكر فيها فضلهم وشرفهم ، وقد كذب فقال فيها : إن الله أغاث الرعايا بهم وبدولتهم ، وحكى ذلك عنه قاضي بلاد مصر ، وكان جالسا إلى جنبه ، فسأله : هل رأيت خليفة أفضل مني ؟ فقال له : لم أر أحدا من الخلائف سوى أمير المؤمنين ، فقال له : أحججت ؟ قال : نعم ، قال : وزرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قال : وقبر أبي بكر وعمر ؟ قال : فتحيرت ماذا أقول ، ثم نظرت فإذا ابنه قائم مع كبار الأمراء ، فقلت : شغلني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شغلني أمير المؤمنين عن السلام على ولي العهد ، ونهضت إليه فسلمت عليه ، ورجعت ، فانفسح المجلس إلى غيري .
ثم سار من الإسكندرية إلى مصر ، فدخلها في الخامس من رمضان من هذه السنة ، فنزل القصرين ، فقيل : إنه أول ما دخل إلى محل ملكه خر ساجدا شكرا لله عز وجل .
ثم كان أول حكومة انتهت إليه أن امرأة كافور الإخشيدي تقدمت إليه ، فذكرت أنها كانت أودعت رجلا من اليهود الصواغ قباء من لؤلؤ منسوج بالذهب ، وأنه جحد ذلك ، فاستحضره وقرره ، فجحد اليهودي ذلك وأنكره ، فأمر عند ذلك المعز ، بأن تحفر داره ، ويستخرج ما فيها ، فوجدوا القباء بعينه قد جعله في جرة ودفنها فيها ، فسلمه المعز إليها ، فقدمته إليه وعرضته عليه ، فأبى أن يقبله منها ورده عليها ، فاستحسن منه ذلك الحاضرون من مؤمن وكافر . وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .