الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مسير الحجاج إلى سميراء ورؤيتهم الهلال

            في هذه السنة سار الحجاج إلى سميراء فرأوا هلال ذي الحجة بها ، والعادة جارية بأن يرى الهلال بعده بأربعة أيام ، وبلغهم أنهم لا يرون الماء إلى غمرة ، وهو بها أيضا قليل ، وبينهما نحو عشرة أيام ، فغدوا إلى المدينة فوقفوا بها وعادوا ، فكانوا أول المحرم في الكوفة .

            وفيها ظهر بإفريقية كوكب عظيم من جهة المشرق ، وله ذؤابة وضوء عظيم ، فبقي يطلع كذلك نحوا من شهر ثم غاب فلم ير .

            حريق العيارين بالخشابين من باب الشعير

            وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة [ ليلة ] بقيت من المحرم: أوقع العيارون حريقا بالخشابين من باب الشعير ، فاحترق أكثر هذا السوق ، وما يليها من سوق الجزارين  ، وأصحاب الحصر ، وصف البواري ، فهلك شيء كثير من هذه الأسواق من الأموال وزاد أمر العيارين في هذه السنة ، حتى ركبوا الدواب ، وتلقبوا بالقواد ، وغلبوا على الأمور ، وأخذوا الخفائر عن الأسواق والدروب .

            وكان في جملة العيارين قائد يعرف: بأسود الزبد ؛ لأنه كان يأوي قنطرة الزبد ويستعظم من حضر وهو عريان لا يتوارى ، فلما كثر الفساد رأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف فطلب سيفا ، ونهب وأغار ، اجتمع إليه جماعة ، فأخذ الأموال ، واشترى جارية بألف دينار ، فلما حصلت عنده حاول منها حاجته فمنعته ، فقال: ما تكرهين مني ؟ قالت: أكرهك كما أنت ، فقال: ما تحبين ؟ قالت: أن تبيعني . قال: أو أفعل خيرا من ذلك ؟ فحملها إلى القاضي وأعتقها ، ووهب لها ألف دينار ، فعجب الناس من سماحة أخلاقه؛ إذ لم يجازها على كراهيتها له . ثم خرج إلى الشام فهلك بها . وقوع الخطبة لأبي تميم معد  

            وفي المحرم: ورد الخبر بوقوع الخطبة لأبي تميم معد ، الملقب بالمعز ، بمكة والمدينة في موسم [ سنة ] ثلاث وستين وثلاثمائة ، وقطعت خطبة الطائع من يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى إلى أن أعيدت في يوم الجمعة لعشر بقين من رجب ، فلم يخطب في هذه المدة لإمام ، وذلك لأجل تشعث جرى بينه وبين عضد الدولة ، وكان عضد الدولة قد قدم العراق ، فأعجبه ملكها ، فوضع الجند ليشغبوا على عز الدولة ، فشغبوا فأغلق أبوابه .

            فأمر عضد الدولة الاستظهار عليه ، وذلك يوم الجمعة لأربع ليال بقين من جمادى الآخرة ، وكتب عن الطائع لله إلى الآفاق باستقرار الأمر لعضد الدولة ، وخلع عضد الدولة على محمد بن بقية وزير عز الدولة ، ثم اضطربت الأمور على عضد الدولة ، ولم يبق في يده غير بغداد ، فنفذ عضد الدولة إلى ركن الدولة يعلمه أنه قد خاطر بنفسه وجنده ، وأنه [ قد ] هذب مملكة العراق ، واستقاد الطائع لله إلى داره ، وأن عز الدولة بختيار عاص لا يقيم دولة ، وأنه إن خرج من العراق لم يبعد اضطراب الممالك ، [ ويسأله المدد ] فلما بلغه هذه الرسالة غضب؛ فقال للرسول: قل له أنت خرجت في نصرة ابن أخي أو في الطمع في مملكته ، فأفرج عضد الدولة عن بختيار ، وخرج عضد الدولة عن بختيار إلى فارس ، وعاد جيش بختيار إليه .

            زواج الطائع بالله ببنت عز الدولة

            وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة: تزوج الطائع لله شاه زنان بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار  ، وخطب خطبة النكاح بحضرتهما أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة القاضي . غلاء الأسعار

            وفي رجب: زادت الأسعار ، وعدمت الأقوات ، وبيع الكر من الدقيق الحواري بمائة ونيف وسبعين دينارا ، والعشرة الأمناء من السكر بنيف وأربعين درهما ، والتمر ثلاثة أرطال بدرهم ، وضاقت العلوفة ، فبيع الحمل من التبن بعشرة دراهم ، وأخرج السلطان كراعه إلى السواد . اضطراب أمر الحاج

            وفي هذه السنة: اضطرب أمر الحاج ، لم يندب لهم أحد من جهة السلطان ، وخرجت طائفة من الخراسانية على وجه التغرير والمخاطرة ، فلحقهم شدة ، وتأخر البغداديون والتجار ، وأقام الحج أصحاب المغربي ، وأقيمت الخطبة له . تقليد أبو محمد بن معروف القضاء

            وفي يوم الأربعاء: سلخ ذي القعدة صرف أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان ، عن قضاء القضاة ، وقلده أبو محمد بن معروف ، وكتب عهده . تقليد نقابة الطالبيين

            وفي يوم الأربعاء: لتسع بقين من ذي الحجة خلع على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي من دار عز الدولة ، وقلد نقابة الطالبيين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية