الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر ولاية قسام دمشق  

            لما فارق الفتكين دمشق كما ذكرناه ، تقدم على أهلها قسام ، وكان سبب تقدم قسام أن الفتكين قربه ووثق إليه ، وعول في كثير من أموره عليه ، فعلا ذكره وصيته ، وكثر أتباعه من الأحداث ، فاستولى على البلد وحكم فيه .

            وكان القائد أبو محمود قد عاد إلى البلد عليه واليا عليه للعزيز ، فلم يتم له مع قسام أمر ، وكان لا حكم له ، ولم يزل أمر قسام على دمشق نافذا ، وهو يدعو للعزيز بالله العلوي . ووصل إليه أبو تغلب بن حمدان ، صاحب الموصل ، منهزما كما ذكرناه ، فمنعه قسام من دخول دمشق ، وخافه على البلد أن يتولاه ، إما غلبة ، وإما بأمر العزيز ، فاستوحش ( أبو تغلب ) وجرى بين أصحابه وأصحاب أبي تغلب شيء من قتال ، فرحل أبو تغلب إلى طبرية .

            وورد من عند العزيز قائد اسمه الفضل في جيش ، فحصر قساما بدمشق ، فلم يظفر به ، فعاد عنه ، وبقي قسام كذلك إلى سنة تسع وستين وثلاثمائة ، فسير من مصر أميرا إلى دمشق اسمه سلمان بن جعفر بن فلاح ، فوصل إليها ، فنزل بظاهرها ، ولم يتمكن من دخولها ، وأقام في غير شيء ، فنهى الناس عن حمل السلاح ، فلم يسمعوا منه ، ووضع قسام أصحابه على سلمان ، فقاتلوه وأخرجوه من الموضع الذي كان فيه .

            وكان قسام بالجامع ، والناس عنده ، فكتب محضرا وسيره إلى العزيز يذكر أنه كان بالجامع عند هذه الفتنة ، ولم يشهدها ، وبذل من نفسه أنه إن قصده عضد الدولة بن بويه أو عسكر له قاتله ، ( ومنعه من البلد ، فأغضى العزيز لقسام على هذه الحال لأنه يخاف أن يقصد عضد الدولة الشام ، فلما فارق سلمان دمشق عاد إليها القائد أبو محمود ، ولا حكم له ، والحكم جميعه لقسام ) ، ( فدام ذلك ) .

            وأما قسام - وهو الحارثي  ، وأصله من بني الحارث بن كعب من اليمن - فأقام بالشام يسد خللها ، ويقوم بمصالحها مدة سنين عديدة ، وكان مجلسه بالجامع ، ويجتمع الناس عنده فيأمرهم وينهاهم ، ويقوم فيمتثلون ما يرسم به .

            قال ابن عساكر : أصله من قرية تلفيتا وكان ترابا .

            قلت : والعامة يقولون : اسمه قسيم الزبال ، وإنما هو قسام ، ولم يكن زبالا بل ترابا من قرية تلفيتا بالقرب من قرية منين ، وكان بدو أمره أنه انتمى إلى رجل من أحداث دمشق يقال له : أحمد بن الجسطار ، فكان من حزبه ، ثم استحوذ على الأمور ، وغلب على الولاة والأمراء ، وصارت إليه أزمة الأحكام ، إلى أن قدم بلكين التركي من مصر في يوم الخميس السابع عشر من المحرم سنة ست وسبعين وثلاثمائة ، فأخذها منه ودخلها ، واختفى قسام التراب مدة ، ثم ظهر ، فأخذه أسيرا وأرسله مقيدا إلى الديار المصرية ، فأطلق وأحسن إليه وأقام بها أيضا مكرما ، والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية