واسمه: أحمد بن إسحاق بن المقتدر ، ويكنى: أبا العباس ، واسم أمه تمني مولاة عبد الواحد بن المقتدر ، وكانت من أهل الدين .
ولد في يوم الثلاثاء التاسع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، وتقلد الخلافة بعد أن قبض الطائع لله وخلع ، وكان القادر حسن الطريقة ، كثير المعروف ، مائلا إلى الخير والتدين ، ولما رحل القادر عن البطيحة ، فوصل إلى جبل في عشار رمضان ، وانحدر بهاء الدولة ، ووجوه الأولياء وأماثل الناس لاستقباله ، فدخل دار الخلافة ليلة الأحد ثاني عشر رمضان سنة إحدى وثمانين ، وجلس من الغد جلوسا عاما ، وهنئ وأنشد بين يديه المديح ، ومما أنشد بين يديه في ذلك اليوم قصيدة الرضى التي أولها:
شرف الخلافة يا بني العباس اليوم جدده أبو العباس ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة
من ذلك الجبل العظيم الراسي
ذكر طرف من سيرة القادر [ بالله ]
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب : رأيت القادر دفعات ، وكان أبيض حسن الجسم ، كث اللحية طويلها ، يخضب ، وكان من أهل الستر ، والديانة ، وإدامة التهجد بالليل ، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه ، وعرف بها عند كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد ، وكان صنف كتابا فيه [ الأصول ، ذكر فيه ] فضائل الصحابة على ترتيب [ مذهب ] أصحاب الحديث ، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز ، وأفكار المعتزلة ، والقائلين بخلق القرآن ، وكان الكتاب يقرأ [ في ] كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الناس سماعه . وكان القادر يوصل الرسوم في كل سنة إلى أربابها من غير أن يكتب أحد منهم قصة ، فإن كان أحد منهم قد مات ، أعيد ما يخصه إلى ورثته ، وبعث يوما إلى ابن القزويني الزاهد ليسأله أن ينفذ إليه من طعامه الذي يأكله . قال ابن الهمذاني : فأنفذ ابن القزويني طبقا من الخلاف ، فيه غضائر لطاف ، فيها باذنجان مقلو وخل وباقلاء ودبس ، وعلى ذلك رغيفان من خبز البيت ، وشدد ذلك في مئزر قطن ، فتناول الخليفة من كل لون منه وفرق الباقي ، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار .
فلما كان بعد أيام ، أنفذ الخليفة إليه بالفراش يلتمس من ابن القزويني إنفاذ شيء من إفطاره ، فأنفذ طبقا جديدا وفيه زبادى جياد وفيها فراريج وقطعة فالوذج وخبز سميذ ودجاجة مشوية ، وقد غطى ذلك بفوطة جديدة ، فلما وصل ذلك إلى الخليفة ، تعجب وقال: قد كلفنا الرجل ما لم تجر به عادته؛ فانفذ إليه ، لم يكن بك حاجة إلى الكلفة ، فقال: ما تكلفت ، وإنما اعتمدت ما أمرني الله به إذا وسع [ الله ] علي وسعت على نفسي ، وإذا ضيق ضيقت ، وقد كان من إنعام أمير المؤمنين ما عدت به على نفسي وجيراني ، فتعجب القادر بالله من دينه وعقله ولم يزل يواصله بالعطاء .
وعن أبي الحسن الأبهري قال: بعثني بهاء الدولة من الأهواز في رسالة إلى القادر بالله ، فلما أذن لي في الدخول عليه سمعته ينشد هذه الأبيات:
سبق القضاء بكل ما هو كائن والله يا هذا لرزقك ضامن
تغنى بما تكفى وتترك ما به تعيا كأنك للحوادث آمن
أوما ترى الدنيا ومصرع أهلها فاعمل ليوم فراقها يا خائن
واعلم بأنك لا أبا لك في الذي أصبحت تجمعه لغيرك خازن
يا عامر الدنيا أتعمر منزلا لم يبق فيه مع المنية ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنه حق وأنت بذكره متهاون
إن المنية لا تؤامر من أتت في نفسه يوما ولا تستأذن