إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي ويعرف بالجلي
ولد بالمصيصة ، وسكن بغداد ، وحدث بها وكان حافظا ، ضريرا ، فروى عنه من أهلها أبو بكر البرقاني ، والأزهري ، وغيرهما ، ، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية . إسماعيل بن عباد ، أبو القاسم ، ويلقب كافي الكفاة الصاحب وكان ثقة صدوقا
وزر لمؤيد الدولة ، وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين ، فأزاله عن الوزارة ، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة .
قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور ، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب والفضة ، وفاخر الزجاج والصيني ، والآلات الحسنة والطيب ، والفاكهة الكثيرة ، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه ، وعامة ليلته ، ثم عمل شعرا أنشده ندماءه وغنى به في الحال وهو:
دعوت المنا ودعوت الطلا فلما أجابا دعوت القدح وقلت لأيام شرخ الشباب
إلي فهذا أوان الفرح إذا بلغ المرء آماله
فليس له بعدها مقترح
فدعاه مؤيد الدولة في السحر ، [ فلم يشك أنه لمهم ] فقبض عليه ، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها ، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى وزارة مؤيد الدولة ، ثم وزر لأخيه فخر الدولة ، فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهورا ، وفتح خمسين قلعة ، سلمها إلى فخر الدولة ، لم يجتمع مثلها إلى أبيه ، وكان الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير ، وله التصانيف الحسان ، والنثر البالغ ، وجمع كتبا عظيمة ، حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل ، وكان يخالط العلماء والأدباء ، ويقول لهم: نحن بالنهار سلطان ، وبالليل إخوان . وسمع الحديث وأملى .
وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [ إسماعيل بن عباد ] على الإملاء ، وكان حينئذ في الوزارة ، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم ، فقال: قد علمتم قدمي في العلم ، فأقروا له بذلك ، فقال: وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ، ومع هذا فلا أخلو من تبعات: اشهدوا علي وأشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله تعالى من كل ذنب أذنبته ، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة ، ولبث أسبوعا على ذلك .
ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته ، ثم خرج ، فقعد للإملاء ، وحضر الخلق الكثير ، وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه ، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار ، وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويبغض من يميل إلى الفلسفة ، وأهدى إليه العميري القاضي [ بقزوين ] كتبا ، وكتب معها .
العميري عبد كافي الكافة وإن اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب مفعمات من حسنها مترعات
قد قبلنا من الجميع كتابا ورددنا لوقتنا الباقيات
لست أستغنم الكثير فطبعي قول خذ ليس مذهبي قول هات
ومرض بالأهواز عن سجع عرض له ، فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون ، فكانوا يتمنون دوام علته ، فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره ، فكان هذا يخرج بدواج ، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع ، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار .
فلما مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معا ودون بابه ويقبلون الأرض وينصرفون ، وجاءه فخر الدولة دفعات ، فلما يئس من نفسه قال لفخر الدولة : قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها ، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك ، واستمرت الأحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك ، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك ، وذكرك ما يسع إيقاعك . فأظهر له قبول رأيه .
توفي في مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة ، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية ، وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة ، وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ، ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب ، الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الأديب .
سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، وكان تاجرا ممولا ، نزل عليه المتنبي حين قدم بغداد ، وكان القيم بأموره ، فقال له: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك! . روى عنه الصوري وكان صدوقا
وقالا: الجوهري والتنوخي : أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه:
سريت المعالي غير منتظر بها كسادا ولا سوقا تقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاس وكلما توفرت الأثمان كنت لها أشرى
سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، روى عنه التنوخي والعشاري والعتيقي وقال: كان جارنا في قطيعة الربيع ، ، توفي في محرم هذه السنة . عمر [ بن أحمد ] بن عثمان بن محمد بن أيوب بن أزداذ أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين وكان شيخا نبيلا ثقة
ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وسمع شعيب بن محمد الذارع ، وأبا خبيب البرقي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وخلقا كثيرا يسكن الجانب الشرقي . وكان ثقة أمينا
وقال: أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي ذكر لنا ابن شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلاثمائة ، وكان لي إحدى عشرة سنة ، وكذا كتب ثلاثة من شيوخي في هذه السن ، فتبركت بهم: أبو القاسم البغوي ، وأبو محمد بن صاعد ، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة ، وسمعت قبل ذلك .
قال أبو حفص بن شاهين : صنفت ثلاثمائة مصنف وثلاثين مصنفا أحدها "التفسير الكبير" ألف جزء "والمسند" ألف وخمسمائة جزء "والتاريخ" مائة وخمسين جزءا [ والزهد ، مائة جزء ] .
ويقول القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي ، قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوما: حسبت ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت ، فكان سبعمائة درهم . قال الداودي : وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم . قال: و[ قد ] مكث ابن شاهين بعد ذلك يكتب زمانا ، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب .
. علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الحافظ الدارقطني
ولد سنة ست وثلاثمائة ، وقيل: سنة خمس ، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد ، وخلقا كثيرا وكان فريد عصره ، وإمام وقته . انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال ، وعلل الحديث ، وسلم ذلك له ، انفرد بالحفظ أيضا . من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه على البرقاني ،
وكان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي ، وسمع كثيرا ، وأراد أن يصنف مسندا معللا ، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل أسبوع يوما يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني ويملي عليه الدارقطني علل الحديث ، حتى خرج من ذلك شيئا كثيرا ، وتوفي أبو منصور قبل استتمامه ، فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب "العلل" الذي يرويه الناس عن الدارقطني ،
قال الأزهري : رأيت محمد بن أبي الفوارس وقد سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم فيه ، فأجابه ثم قال: يا أبا الفتح ، ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا غيري .
وقال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار ، فجعل ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي ، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ ، فقال الدارقطني : فهمي للإملاء خلاف فهمك .
ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ قال: لا ، فقال الدارقطني : أملى ثمانية عشر حديثا ، فعددت الأحاديث فوجدت كما قال ، ثم قال أبو الحسن : الحديث الأول منها كذا عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، ولم يزل يذكر إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في الإملاء ، حتى أتى على آخرها؛ فتعجب الناس منه . قال المصنف رحمه الله: وقد كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأى الدارقطني مثل نفسه .
قال رجاء بن محمد بن عيسى المعدل : سألت الدارقطني فقلت: رأي الشيخ مثل نفسه ؟ فقال لي: قال الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم قلت: لم أرد هذا وإنما أردت أن أعلمه لأقول: رأيت شيخا لم ير مثل نفسه ، فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني ، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا .
قال المصنف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة ، بالقراءات ، والنحو ، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة ، وصحة العقيدة .
سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: سمعت أبا الحسن العتيقي يقول: قال الدارقطني : كنت أنا والكتاني نسمع الحديث ، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدث البلد ويخرج الدارقطني مقرئ البلد ، فخرجت أنا محدثا والكتاني مقرئا .
وعن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن في مقبرة معروف يوم الأربعاء ، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة ، وله تسع وسبعون سنة ويومان .
قال: أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا ، رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة وما آل إليه أمره ، فقيل: ذاك يدعى في الجنة الإمام . عباد بن العباس بن عباد أبو الحسن الطالقاني والد الصاحب إسماعيل بن عباد .
، وصنف كتابا في أحكام القرآن ، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير ، وأبو بكر بن مردويه ، وطالقان التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر ، وهي عدة قرى يقع عليها هذا الاسم ، وثم بلدة من بلاد خراسان ، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين يقال لها طالقان ، توفي عباد في هذه السنة . سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره ، وكان صدوقا عقيل بن محمد ، أبو الحسن الأحنف العكبري
كان أديبا شاعرا مليح القول ، روى عنه أبو علي ابن شهاب ديوان شعره .
أنبأنا ابن ناصر ، أنبأنا الحسن بن أحمد قال: أنشدني علي بن عبد الواحد للأحنف العكبري :
أقضى علي من الأجل عذل العذول إذا عذل
وأشد من عذل العذول صدود إلف قد وصل
وأشد من هذا وذا طلب النوال من السفل
من أراد الملك والرا حة من هم طويل
فليكن فردا من النا س ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا نافعا غير قليل
ويرى بالحزم أن الحـ ـزم في ترك الفضول
ويداوي مرض الوحـ ـدة بالصبر الجميل
لا يماري أحدا ما عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فإن الصـ ـمت تهذيب العقول
يذر الكبر لأهليـ ـه ويرضى بالخمول
أي عيش لامرئ يصـ ـبح في حال ذليل
بين قصد وعدو ومداراة جهول
واعتلال من صديق وتحن عن ملول
واحتراس من ظنون السـ ـوء أو عذل عذول
ومماشاة بغيض ومقاساة ثقيل
أف من معرفة النا س على كل سبيل
وتمام الأمر لا تعـ ـرف سمحا من بخيل
فإذا أكمل هذا كان في ملك جليل
[ كان ] شاعرا مطبوع القول .
قال علي بن المحسن : أنشدني أبو الحسن بن سكرة ، وكان قد دخل حماما وخرج وقد سرق مداسه ، فعاد إلى داره حافيا وهو يقول:
إليك أذم حمام ابن موسى وإن فاق المنى طيبا وحرا
تكاثرت اللصوص عليه حتى ليحفى من يطيف به ويعرا
ولم أفقد به ثوبا ولكن دخلت محمدا وخرجت بشرا
إن شئت أن تبصر أعجوبة من جور أحكام أبي السائب
فاعمد من الليل إلى صرة وقرر الأمر مع الحاجب
حتى ترى مروان يقضى له على علي بن أبي طالب
حدث عن شيوخ أصبهان ، ، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة . يوسف بن عمر بن مسرور ، أبو الفتح القواس وكان ثقة ، مأمونا
ولد سنة ثلاثمائة ، سمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد ، وغيرهم ، روى عنه الخلال والعشاري والتنوخي ، وغيرهم ، ، وكان يقال له أنه من الأبدال وأنه مجاب الدعوة . قال الدارقطني : كنا نتبرك بيوسف القواس وهو صبي ، توفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب ، وكان ثقة صالحا زاهدا صدوقا يوسف بن أبي سعيد السيرافي ، يكنى أبا محمد
كان نحويا ، وتمم شرح أبيه لكتاب سيبويه ، وكان يرجع إلى علم ودين ، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وله خمس وخمسون سنة .