جعفر بن محمد بن الفضل بن عبد الله أبو القاسم الدقاق ، ويعرف: بابن المارستاني
ولد ببغداد سنة ثمان وثلاثمائة ثم سافر ، ثم قدم بغداد من مصر ، وحدث عن أبي بكر بن مجاهد ، روى عنه الخلال وابن المذهب ، لكن . الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري الدارقطني والصوري يكذبانه
وتوفي في هذه السنة : الراوية العلامة صاحب الفضل الغزير والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال ، وكان يميل إلى المعتزلة . الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري
قال أبو الحسن علي بن المظفر بن بدر البندنيجي : كنت أقرأ بالبصرة على الشيوخ ، فلما دخلت سنة تسع وسبعين بلغني حياة [ أبي أحمد ] العسكري فقصدته ، فقرأت عليه ، فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد ، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه ، وصل إليه ركابي ومعه رقعة ، ففضها وقرأها وكتب على ظهرها ، جوابها: فقلت له: أيها الشيخ ، ما هذه الرقعة ؟ فقال: رقعة الصاحب ، كتب إلي:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ضعفنا فما نقوى على الوخدان أتيناكم من بعد أرض نزوركم
فكم منزل بكر لنا وعوان نناشدكم هل من قرى لنزيلكم
بطول جوار لا بملء جفان
أروم نهوضا ثم يثنى عزيمتي قعود وأعضائي من الرجفان
فضمنت بنت ابن الرشيد كأنما تعمد تشبيهي به وعناني
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه وقد حيل بين العنز والنزوان
ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة وليس لي عمل زاك فأدخلها
سكن بغداد ، وحدث عن البغوي ، وابن صاعد ، والمحاملي ، روى عنه الخلال ، والعتيقي ، وقال: كان له أصول صحاح جياد ، فخرج له أبو بكر بن إسماعيل عشرة أجزاء ، . وكان ثقة
الحسين بن محمد بن سليمان أبو عبد الله الكاتب
وتوفي في هذه السنة .
الحسين بن محمد بن سليمان أبو عبد الله الكاتب:
ولد سنة اثنتين وثلاثمائة . حدث عن البغوي وابن صاعد وأبي بكر النيسابوري وابن الأنباري ، روى عنه الأزهري والصيمري والعتيقي ، ، يسكن مدينة المنصور . أبو القاسم الشاهد المعروف بابن الثلاج وكان صدوقا ثقة
وتوفي في هذه السنة : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [ بن عبيد الله بن زياد ] بن مهران أبو القاسم الشاهد المعروف بابن الثلاج ، حلواني الأصل
حدث عن البغوي [ وابن ] أبي داود وابن صاعد ، روى عنه الصيمري والتنوخي ، والأزهري ، والعتيقي ، [ وغيرهم ] .
قال: التنوخي : قال لنا ابن الثلاج ، ما باع أحد من سلفينا ثلجا قط وإنما كانوا بحلوان ، وكان جدي مترفا ، فكان يجمع له في كل سنة ثلج كثير لنفسه ، فاجتاز الموفق أو غيره من الخلفاء ، فطلب ثلجا؛ فلم يوجد إلا عند جدي ، وأهدى إليه منه؛ فوقع منه موقعا لطيفا وطلبه منه أياما كثيرة طول مقامه ، وكان يحمله إليه؛ فقال: اطلبوا عبد الله الثلاج ، واطلبوا ثلجا من عند عبد الله الثلاج ، فعرف بالثلاج وغلب عليه .
قال الأزهري : كان أبو القاسم ابن الثلاج مخلطا في الحديث يدعي ما لم يسمع ويضع الحديث .
وذكر أبو عبد الله بن بكير أن أبا سعد الإدريسي لما قدم بغداد قال لأصحاب الحديث: إن كان ها هنا شيخ له جموع وفوائد ، فأفيدوني عنه . فدلوه على أبي القاسم ابن الثلاج ، فلما اجتمع معه أخرج إليه جمعة لحديث قبض العلم وأنا فيه . حدثني أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي ، فقال الإدريسي : أين سمعت من هذا الشيخ ؟ فقال: هذا شيخ قدم علينا حاجا؛ فسمعنا منه ، فقال: أيها الشيخ ، أنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي ، وهذا حديثي ، ووالله ما رأيتك ولا اجتمعت معك قبل هذا الوقت . فخجل ابن الثلاج ، وقال العتيقي : ثم اجتمعت مع أبي سعد الإدريسي ، فحدثني بهذه القصة ، كما حدثني بها ابن بكير عنه . توفي ابن الثلاج في ربيع الأول من هذه السنة فجأة . عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة
ولد يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلاثمائة ، وسمع أبا القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وأبا بكر النيسابوري ، وخلقا كثيرا ، وسافر البلاد البعيدة في طلب العلم ، روى عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، والأزجي ، والبرمكي وغيرهم ، وأثنى عليه العلماء الأكابر .
وقال القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي : لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة ، فلم ير منها في سوق ولا رئي مفطرا إلا في يومي الأضحى والفطر ، وكان أمارا بالمعروف ، ولم يبلغه خبرا منكرا إلا غيره أو كما قال .
قال أحمد بن علي : لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة ،
وعن [ أبي محمد ] الحسن بن علي الجوهري قال: سمعت أخي أبا عبد الله الحسين بن علي يقول: ، فقلت: يا رسول الله ، قد اختلفت علينا المذاهب ، فبمن نقتدي ، فقال [ لي ] عليك بأبي عبد الله بن بطة ، فلما أصبحت لبست ثيابي وأصعدت إلى عكبرا ، فدخلت إليه ، فلما رآني تبسم وقال لي: صدق رسول الله ، صدق رسول الله ، صدق رسول الله . يقولها ثلاثا . رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
قال المصنف: وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشايخه [ الأكابر ] مدحه ، فغمزه بأشياء منها أنه قال: كتب إلي أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي يقول: خرجنا إلى عكبرا فكتبت عن ابن بطة كتاب السنن لرجاء بن مرجى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء ، فأخبرت الدارقطني فقال: هذا محال ، دخل رجاء بغداد سنة أربعين ، ودخل حفص سنة خمسين ومائتين ، فكيف سمع منه ؟ !
قال الخطيب : وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن فتح بن شخرف ، عن رجاء ،
وجواب هذا أن أبا ذر كان من الأشاعرة المبغضين ، وهو ، ولا يقبل جرحه لحنبلي يعتقد كفره ، وأما عبد الواحد الأسدي ؛ فهو ابن برهان ، وكان معتزليا . قال الخطيب : كان ابن برهان يذكر أنه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئا وإنما كانت له معرفة بالنحو واللغة . أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري
وقال: ابن عقيل كما ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفي ، ويقول دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي ، لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة ، وهذا إنما يوجد في الشاهد لما يعتري الغضبان من طلب الانتقام ، وهذا يستحيل في حقه . الخلود في حق الكفار
قال ابن عقيل : وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره ، وذلك أنه أخذ صفات الباري تعالى من صفات الشاهد ، وذكر أن المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم؛ طلبا للانتقام ، وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه سبحانه التشفي . والشاهد يرد عليه ما ذكره؛ لأن المانع من التشفي غلبة الرحمة والرأفة ، وكلاهما رفعه طبع ، وليس الباري بهذا الوصف ولا رحمته وغضبه من أوصاف المخلوقين بشيء ، وهذا الذي ذكره من عدم التشفي وفورة الغضب كما يمنع دخوله عليه من الدوام يمنع من دخوله ووصفه ، ينبغي بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد ويحيله في حقه سبحانه كسائر المستحيلات عليه ، ولا يختلف نفس وجودها ودوامها ، فلا أفسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله من صفاتنا وقاس أفعاله على أفعالنا .
قال المصنف: فمن كان اعتقاده يخالف إجماع المسلمين فهو خارج عن الإسلام ، فكيف يقبل قوله ؟ !
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني : كان ابن برهان يميل إلى المرد الملاح ويقبلهم . وروى الخطيب عن أبي القاسم التنوخي ، قال: أراد أبي أن يخرجني من عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب المعجم للبغوي ، فجاءه أبو عبد الله بن بكير ، وقال له: لا تفعل؛ فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي وجواب هذا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن التنوخي كان معتزليا يميل إلى الرفض ، فكيف يقبل قوله في سني .
والثاني: أن هذه الشهادة على نفي؛ فمن أين له أنه لم يسمع ، وإذا قال ابن بطة : سمعت؛ فالإثبات مقدم .
والثالث: من أين له أنه إن كان لم يسمع أنه يرويه؛ فمن الجائز أنه لو مضى إليه قال له: ليس بسماعي وإنما أرويه إجازة ، فما أبله هذا الطاعن بهذا! إنما وجه الطعن أن يقول: قد رواه وليس بسماعه ، قال الخطيب : وحدثني أبو الفضل ابن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره قد حك سماع وكتب سماعه عليها قال: انظر إلى طعن المحدثين ، أتراه إذا حصلت للإنسان نسخة فحك اسم صاحبها وكتب سماع نفسه وهي سماعه أيوجب هذا طعنا ؟ ! ومن أين له أنه لم يعارض بهذا أصل سماعه ؟ ! ولقد قرأت بخط أبي القاسم ابن الفراء أخي القاضي أبي يعلى ، قال: قابلت أصل ابن بطة بالمعجم ، فرأيت سماعه في كل جزء إلا أني لم أر الجزء الثالث أصلا .
وعن أبي عبد الله بن بطة قال: كان لأبي ببغداد شركاء وفيهم رجل يعرف بأبي بكر ، فقال لأبي: ابعث إلى بغداد ابنك ليسمع الحديث ، فقال: ابني صغير ، فقال: أنا أحمله معي ، فحملني إلى بغداد ، فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث .
فقال لي بعضهم: سل الشيخ يخرج إليك معجمه؛ فسألت ابنه أو ابن بنته ، فقال: إنه يريد دراهم . فأعطيناه ، ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر؛ وذلك في سنة خمس عشرة أو ست عشرة ، وأذكره وقد قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني في سنة أربع وعشرين ومائتين ، فقال المستملي : خذوا هذا قبل أن يولد كل مولود على وجه الأرض . وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران يقول له: من ذكرت يا ثلث الإسلام ؟ !
قال المصنف: فإذا كان ابن بطة يقول: سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى سماعه ، فكيف يدفع هذا بنفي؛ فيقال ما سمع ؟ ! فالقادح بهذا لا يخلو إما أن يكون قليل الدين أو قليل الفهم؛ فيكون ما رأى سماعه في نسخة أو ما رآه حاضرا مع طبقته فينفي عنه السماع .
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم [ قال ]: . قال الخطيب : هذا باطل من حديث مالك ، والحمل فيه على ابن بطة ، طلب العلم فريضة على كل مسلم
[ قال المصنف ]: وجواب هذا من وجهين:
أحدهما: أن هذا لا يصح عن ابن برهان ، قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ : شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان ، وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أحمد بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة لا أصل له ، وهو شيخي ، وعنه أخذت العلم في البداية .
والثاني: أنه لو صح فقد ذكرنا القدح في ابن برهان ، فيقال حينئذ للخطيب : لم قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وأن الكفار لا يخلدون ، فيخرج بذلك إلى الكفر بخرقه الإجماع فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم ، وحكيت عن العلماء أنه الصالح المجاب الدعوة ، أفلا تستحيي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان ؟ ! نعوذ بالله من الهوى!
توفي عبد الله بن بطة بعكبرا في محرم هذه السنة . علي بن عبد العزيز بن مردك أبو الحسن البرذعي
حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره ، وكان أحد الباعة الكبار ببغداد ، فترك الدنيا ولزم المسجد ، واشتغل بالعبادة ، وأريد على الشهادة فامتنع ، وتوفي في محرم هذه السنة . علي بن محمد بن أحمد بن شوكر أبو الحسن المعدل
سمع البغوي ، وابن صاعد ، روى عنه الخلال والتنوخي ، ، كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني . وكان ثقة
علي أبو الحسن الملقب فخر الدولة
توفي في هذه السنة .
علي أبو الحسن ، الملقب فخر الدولة بن أبي علي الملقب ركن الدولة بن بويه:
أقطعه أبوه بلدانا وكان في ملك ، فلما توفي أخوه مؤيد الدولة كتب إليه الصاحب ابن عباد يأمره بالإسراع ، فأسرع وملك مكان أخيه ، واستوزر الصاحب وكان شجاعا ، ولقبه الطائع بفلك الأمة ، وتوفي في شعبان هذه السنة وكانت إمارته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما ، وكان عمره ستا وأربعين سنة وخمسة أيام .
وكان حين اشتد مرضه قد أصعد به إلى قلعة ، فبقي فيها أياما يعلل ثم مات ، وكانت الخزائن مغلقة مختومة ، وقد جعلت مفاتيحها في كيس من حديد ، وسمره ، وحصلت عند ولده رستم ، فلم يوجد له في ليلة وفاته ما يكفن فيه ، وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغب وقع بين الجند ، فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب ولف فيه ، وكان قد أراح لتشاغل الناس باختلاف الجند فلم يمكنهم لذلك القرب منه ولا مباشرة دفنه؛ فشد بالحبال وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع .
وكان يقول في حياته: قد جمعت من الأموال لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة إذا لم يكن لهم مادة إلا من الحاصل! وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفا ومائتين وأربعة وثمانين دينارا ، وكان في خزانته من الجواهر واليواقيت واللؤلؤ والبلخش أربع عشرة ألف وخمسمائة وعشرين قطعة قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن أواني الذهب ما وزنه ألف ألف دينار ، ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ، ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل ، وخزانة السلاح ألفا حمل ، وخزانة الفرش ألف وخمسمائة حمل .
ابن زولاق
الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي بن خلف بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق ، أبو محمد المصري الحافظ
صنف كتابا في قضاة مصر ، ذيل به على كتاب أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي في ذلك ، انتهى الكندي إلى سنة ست وأربعين ومائتين ، وذيل ابن زولاق من القاضي بكار إلى سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، مبلغا به أيام محمد بن النعمان قاضي العبيديين ، وأظنه مصنف كتاب " البلاغ " الذي انتصب فيه للرد عليه القاضي الباقلاني ، أو هو مصنفه عبد العزيز بن النعمان ، والله أعلم .
وكانت وفاة ابن زولاق في أواخر ذي القعدة من هذه السنة عن إحدى وثمانين سنة ، رحمه الله تعالى . ابن سمعون الواعظ
محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسين بن سمعون الواعظ
أحد الصلحاء والعلماء ، وكان يقال له : الناطق بالحكمة ، روى عن أبي بكر بن أبي داود وطبقته ، وكان له يد طولى في الوعظ والتدقيق في المعاملات ، وكانت له كرامات ومكاشفات ، كان يوما يعظ الناس على المنبر ، وتحته أبو الفتح بن القواس ، وكان من الصالحين المشهورين ، فنعس ابن القواس ، فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتى استيقظ ، فحين استيقظ قال ابن سمعون : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فلهذا أمسكت عن الوعظ حتى لا أزعجك عما كنت فيه .
وكان لرجل ابنة مريضة مدنفة ، فرأى أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : اذهب إلى ابن سمعون ليأتي منزلك فيدعو لابنتك وهي تبرأ بإذن الله تعالى ، فلما أصبح ذهب إلى ابن سمعون ليأتي ، فلما رآه ، نهض ولبس ثيابه وخرج معه ، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه ، فقال : أقول له في أثناء الطريق ، فلما مر بدار الرجل دخل إليها الشيخ ، فأحضر إليه ابنته ، فدعا لها وانصرف ، فبرأت من ساعتها .
وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره وهو مغضب ، فخيف على ابن سمعون منه ، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب فبكى الخليفة حتى سمع شهيقه ، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم ، فقيل للخليفة : رأيناك طلبته وأنت غضبان ، فقال : بلغني أنه يتنقص عليا ، فأردت أن أعاقبه ، فلما حضر أكثر من ذكر علي ، فعلمت أنه موفق ، قد كوشف بما كان في خاطري عليه .
ورأى بعضهم في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وهو يقول : أليس من أمتي الأحبار ؟ أليس من أمتي الرهبان ؟ أليس من أمتي أصحاب الصوامع ؟ فبينا هما كذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى عليه السلام .
كان مولد ابن سمعون في سنة ثلاثمائة ، وتوفي يوم الخميس الرابع عشر من ذي القعدة في هذه السنة ، ودفن بداره ، قال ابن الجوزي : ثم أخرج بعد سنين إلى مقبرة أحمد ، وأكفانه لم تبل ، رحمه الله تعالى . الفقيه الشافعي أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي
إمام أهل نيسابور وشيخ تلك الناحية ، كان يحضر في مجلسه نحو من خمسمائة محبرة ، وكانت وفاته في هذه السنة على المشهور ، وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " : إنه مات في سنة ثنتين وأربعمائة ، فالله تعالى أعلم .