الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث  

            في هذه السنة ، في ( ربيع الأول ) وقع ثلج كثير ببغداذ وواسط والكوفة ، والبطائح إلى عبادان ، وكان ببغداذ نحو ذراع ، وبقي في الطرق نحو عشرين يوما . وفيها ( وقع الغلاء بمصر واشتد ) ، وعظم الأمر ، وعدمت الأقوات ، ثم تعقبه وباء كثير أفنى كثيرا من أهلها . وفيها زلزلت الدينور زلزلة شديدة خربت المساكن ، وهلك خلق كثير من أهلها ، وكان الذين دفنوا ستة عشر ألفا سوى من بقي تحت الهدم ولم يشاهد . وورد الخبر في سادس عشر رمضان بهبوب عاصف من الريح سوداء بدقوقا قلعت المنازل والنخل والزيتون  ، وخرج الناس لأجلها من منازلهم وقتلت جماعة ، وورد الخبر من تكريت بنحو ذلك .

            وورد الخبر من شيراز بعصوف ريح سوداء أحرقت الزروع  ، وهدمت قطعة من البلد وأن رجفة كانت بسيراف والسيف غرق فيها عدة مراكب ، وأهلكت كثيرا من الناس   .

            وورد الخبر من واسط وشقي الفرات أنه ورد في هذين الصقعين برد عظيم  كان وزن الواحدة منه مائة وستة دراهم .

            وجاء ببغداد [في يوم الاثنين ] لثمان بقين من رمضان وهو سلخ أيار مطر كثير جرت منه المآزيب   .

            [كثرة العملات ببغداد   ]

            وفى هذا الشهر : كثرت العملات ببغداد ، وكبس الذعار عدة مواضع ، وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة وأخذوا حصره وستوره وقناديله ، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم فظفروا ببعضهم فشهروا وعرفوا وكحلوا وقطعوا . [الفتنة بين أهل الكرخ والفقهاء   ]

            في يوم الأحد عاشر رجب جرت فتنة بين أهل الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبد الله محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم ، وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح وتعرض به تعرضا امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا أهل الكرخ ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفراييني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليواقعوا بهم ونشأت من ذلك فتنة عظيمة ، واتفق أنه أحضر مصحفا ذكر أنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف ، فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب وعرض المصحف عليهم ، فأشار أبو حامد الإسفراييني والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بحضرتهم فلما كان في شعبان كتب إلى الخليفة بأن رجلا من أهل [جسر ] النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة النصف ، ودعا على من أحرق المصحف وسبه ، فتقدم بطلبه فأخذ فرسم قتله ، فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين ، وقصد أحداث الكرخ [باب ] دار أبي حامد فانتقل عنها وقصد دار القطن ، وصاحوا : حاكم يا منصور .

            فبلغ ذلك الخليفة فأحفظه وأنفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة وساعدهم الغلمان ، وضعف أهل الكرخ وأحرق ما يلي بنهر الدجاج ، ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة فسألوه العفو عما فعل السفهاء فعفا عنهم .

            فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه ، ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة ، فضرب قوم وحبس قوم ورجع أبو حامد إلى داره ، ومنع القصاص من الجلوس ، فسأل علي بن مزيد في ابن المعلم ، فرد ورسم للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن . وفى يوم الاثنين ثالث شعبان وافى مطر ومعه برد  في الواحدة منها خمسة دراهم ونحوها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية