الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في هذه السنة خلع سلطان الدولة على أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي  ، وهو أول من تقدم من أهل بيته .

            وفي سادس عشر المحرم قلد الشريف الرضي أبو الحسن الموسوي نقابة الطالبيين في سائر المماليك ، وقرئ تقليده في دار الوزير فخر الملك ، بمحضر القضاة والأعيان ، وخلع عليه السواد ، وهو أول طالبي خلع عليه السواد   . [خروج فخر الملك إلى كنف اليهودي بالنهروان   ]

            وفي يوم الأربعاء سادس صفر : خرج فخر الملك إلى بثق اليهودي بالنهروان فعمل فيه حتى أحكمه ، وأخذ بيده باقة قصب فطرحها فوافقه الناس ، وحملوا التراب على رءوسهم ، ووقع في بعض الجسور والفوارات رجلان من السوادية ، فطرح التراب والقصب عليهما فهلكا وبات فخر الملك ساهرا ليلته ، قائما على رجله والرجال يعملون ، حتى ثبت السكر ثم رتب العمال في كل رستاق وعمر البلاد ، فارتفع في تلك السنة بحق السلطان بضعة عشر ألف كر وخمسون ألف دينار . اعتراض ابن فليتة الحجيج



            وفي هذا الشهر : ورد الخبر على فخر الملك من الكوفة ، بأن أبا فليتة ابن القوي سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة رجل ، فنزح الماء في مصانع البرمكي ، والريان وغورها ، وطرح في الآبار الحنظل ، وأقام يراصد ورودهم ، فلما وردوا العقبة [في ] يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر اعتقلهم هناك ، ومنعهم الاجتياز ، وطالبهم بخمسين ألف دينار فامتنعوا من تقرير أمره على شيء ، وضعفوا عن الصبر ، وبلغ منهم العطش فهجم عليهم فلم يكن عندهم دفع ولا منع ، فاحتوى على الجمال والأحمال والأموال فهلك من الناس الكثير ، وقيل : هلك خمسة عشر ألف إنسان ولم يفلت إلا العدد اليسير ، وأفلت أبو الحارث بن عمر العلوي وهو أميرهم في نفر من الكبار على أسوأ حال ، وفي آخر رمق خلص من خلص بالتخفير من العرب وركوب الغرر في المشي على القدم ، وكان فخر الملك حينئذ مقيما على سد الشق فورد عليه من هذا الأمر أعظم مورد وكاتب عامل الكوفة بأن يحسن إلى من سلم ويعينهم وكاتب علي بن مزيد ، وأمره أن يطلب العرب الذين فعلوا هذا ويوقع بهم بما يشفي الصدر منهم [وندب ] من يخرج لمعاونته فسار ابن مزيد فلحق القوم في البرية وقد قاربوا البصرة ، فأوقع بهم وقتل الكثير منهم ، وأسر ابن القوى أبا فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، ووجد الأحمال والأموال قد تمزقت ، وأخذ كل فريق من ذلك الجمع طرفا ، فانتزع ما أمكنه انتزاعه وعاد إلى الكوفة ، وبعث بالأسراء إلى بغداد فشهروا وأودعوا الحبس ، وأجيع منهم جماعة وأطعموا المالح ، وتركوا على دجلة حتى شاهدوا الماء حسرة وماتوا عطشا هناك ، وأوقع أبو الحسن بن مزيد بخفاجة بعد سنين فأفلت من أسروه من الحاج ، وكانوا قد جعلوهم رعاة لأغنامهم ، فعادوا وقد قسمت تركاتهم وتزوجت نساؤهم . انقضاض كوكب كبير

            وفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من صفر وقت العشاء انقض كوكب كبير الجرم عن يمنة القبلة ، وملأ الأرض ضوؤه  واستعظم الناس ما رأوه منه . وقوع صاعقة بالكوفة

            وفي شعبان وقعت بالكوفة صاعقة في أثناء رعد وبرق ، فسقطت على حائط فرمت به   .

            انقضاض كوكب من المشرق إلى المغرب

            وفي رمضان انقض كوكب من المشرق إلى المغرب غلب ضوؤه ضوء القمر ، وتقطع قطعا وبقي ساعة طويلة   . وفاة بنت أبي نوح الأهوازي

            وفي شوال توفيت بنت أبي نوح الأهوازي [الطبيب زوجة أبي نصر بن إسرائيل ] كاتب المناصح أبي الهيجاء ، فأخرجت جنازتها نهارا ومعها النوائح والطبول والزمور والرهبان والصلبان والشموع ، فقام رجل من الهاشميين فأنكر ذلك ورجم الجنازة ، فوثب أحد غلمان المناصح بالهاشمي فضربه [بدبوس ] على رأسه فشجه فسال دمه وهرب النصارى بالجنازة إلى بيعة دار الروم ، فتبعهم المسلمون ونهبوا البيعة وأكثر دور النصارى المجاورة لها ، وعاد ابن إسرائيل إلى داره فهجموا عليه فهرب منهم ، وأخرج ابن إسرائيل مستخفيا حتى أوصل إلى دار المناصح ، وثارت الفتنة بين العامة وغلمان المناصح ، وزادت ورفعت المصاحف في الأسواق ، وغلقت أبواب المساجد ، وقصد الناس دار الخليفة على سبيل الاستنفار ، وركب ذو النجادين أبو غالب إلى دار المناصح ، فأقام بها .

            ووردت رسالة الخليفة إلى المناصح بإنكار ما جرى وتعظيم الأمر فيه وبالتماس ابن إسرائيل وتسليمه ، فامتنع المناصح من ذلك ، فغاظ الخليفة امتناعه وتقدم بإصلاح الطيار للخروج عن البلد ، وجمع الهاشميين إلى داره .

            واجتمعت العوام في يوم الجمعة ، وقصدوا دار المناصح ودفع غلمانه ، فقتل رجل ذكر أنه علوي ، فزادت الشناعة وامتنع الناس من صلاة الجمعة ، وظفرت العامة بقوم من النصارى فقتلوهم ، وترددت الرسائل إلى المناصح إلى أن بذل حمل ابن إسرائيل إلى دار الخلافة ، فكف العامة عن ذلك وألزم أهل الذمة الغيار ، ثم أفرج عن ابن إسرائيل في ذي القعدة . وفي ذي القعدة : بعث يمين الدولة [أبو القاسم ] محمود إلى حضرة الخليفة كتابا ورد إليه من الحاكم صاحب مصر يدعوه فيه إلى طاعته والدخول في بيعته  ، وقد خرقه وبصق في وسطه . وفي هذه السنة : قرئ عهد أبي نصر بن مروان الكردي على آمد وميافارقين وديار بكر ، وخلع عليه الطوق والسوار ، ولقب نصير الدولة . وفيها ورد حاج خراسان ووقف الأمر في خروجهم إلى مكة لفساد [في ] الطريق وغيبة فخر الملك ، فانصرفوا وبطل الحج من خراسان والعراق .

            وفيها : خلع علي أبي الحسن علي بن مزيد ، وهو أول من تقدم من أهل بيته .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية