الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            أبو الحسن القرشي الأموي

            أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، أبو الحسن القرشي الأموي  

            :

            ولي قضاء البصرة قديما ثم قضاء القضاة بعد أبي محمد بن الأكفاني في ثالث من شعبان سنة خمس وأربعمائة ، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته ، وكان عفيفا نزها ، وقد سمع من أبي عمر الزاهد ، وعبد الباقي بن قانع إلا أنه لم يحدث .

            قال القاضي أبو العلاء الواسطي :

            إن المتوكل دعا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وأحمد بن المعدل ، وإبراهيم التيمي من البصرة وعرض على كل [واحد ] منهم قضاء القضاة ، فاحتج محمد بن عبد الملك بالسن العالية وغير ذلك ، واحتج أحمد بن المعدل بضعف البصر وغير ذلك ، وامتنع إبراهيم التيمي ، فقال : لم يبق غيرك ، وجزم عليه فولي فنزل حال إبراهيم التميمي عند أهل العلم ، وعلت حالة الآخرين .

            قال أبو العلاء : فيرى الناس أن بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده فولي منهم أربعة وعشرون قاضيا منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة ، وآخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد ، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة وشرفا .

            قال القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري : كان بيني وبين القاضي أبي الحسن ابن أبي الشوارب بالبصرة أنس كثير وامتزاج شديد حتى كان يعدني ولدا وأعده والدا ، فما علمت له سرا قط أو ظهر عليه ما استحيى منه ، وكان بالبصرة رجل من وجوهها واسع الحال كثير المال جدا يعرف بابن نصر بن عبدويه ، فقال لي ، وقد دخلت عليه عائدا [له ] في علة الموت في صدري سر ، وأريد إطلاعك عليه ، لما ولي القاضي أبو الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالبصرة في أيام بهاء الدولة ، وكان بيني وبينه من المودة ما شهرته تغني عن ذكره مضيت إليه ، وقلت له : قد علمت أن هذا الأمر الذي تقلدتا يحتاج فيه إلى مؤن كثيرة وأمور لا يقدر عليها ، وقد أحضرتك مائتي دينار وتعلم أنني ممن لا يطلب قضاء ولا شهادة ولا بيني وبين أحد خصومة أحتاج إليها في الترافع إليك ، وإن حدث بي حدث اقتضى الترافع إليك فبالله عليك إلا حكمت علي [في ذلك ] فما يجب على يهودي لو كان في موضعي ، وأسألك أن تقبض مني هذه الدنانير تستعين بها على أمرك ، فإن قبلتها بسبب المودة التي بيننا فأنت في حل منها في الدنيا والآخرة ، وإن أبيت قبولها على هذا الوجه ، فهي قرض لي عليك ، فقال : اعلم أن الأمر كما ذكرته ووالله إني لمحتاج إليها ، ولكن لا يراني الله قبلت إعانة على هذا الأمر ، وأسألك بالله إن أطلعت أحدا على هذا السر ما دمت في الدنيا ، فو الله ما ذكرت لأحد قبل هذا الوقت .

            قال ابن حبيب : ومات من يومه ذلك ، توفي ابن أبي الشوارب في شوال هذه السنة . إبراهيم بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب ، أبو القاسم الدلال   :

            سمع محمد بن عبد الله الشافعي وغيره ، وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي . وتوفي في صفر هذه السنة . جعفر بن بابي ، أبو مسلم الختلي  

            سمع ابن بطة ، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني . وكان ثقة فاضلا دينا . وتوفي في رمضان هذه السنة . [عبد الله بن جعفر ، أبو سعد ابن باكويه   :

            وزر لجلال الدولة أبي طاهر واعتقله ومات في اعتقاله في هذه السنة ، وكان أديبا شاعرا .



            عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه ، أبو حازم الهذلي النيسابوري   :

            سمع إسماعيل بن نجيد ، وأبا بكر الإسماعيلي وخلقا كثيرا ، روى عنه محمد بن أبي الفوارس ، والتنوخي ، وأبو بكر الخطيب ، وكان ثقة صادقا عارفا حافظا ، سمع الناس بإفادته ، وكتبوا بانتخابه ، وتوفي في عيد الفطر من هذه السنة ] . عمر بن أحمد بن عثمان ، أبو حفص البزاز العكبري   :

            ولد سنة عشرين وثلاثمائة . سمع النقاش ، وكان ثقة مقبول الشهادة عند الحكام ، وتوفي في هذه السنة . علي بن أحمد بن عمر بن حفص ، أبو الحسن المقرئ المعروف بابن الحمامي   :

            ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وسمع أبا عمر وابن السماك ، والنجاد ، والخلدي ، وخلقا كثيرا ، وكان صدوقا دينا فاضلا حسن الاعتقاد ، وتفرد بأسانيد القراءات وعلوها في وقته ، وكان ينزل سوق السلاح من دار المملكة .

            يقول أبا الفتح بن أبي الفوارس : لو رحل رجل من خراسان ليسمع كلمة من أبي الحسن الحمامي أو من أبي أحمد الفرضي لم تكن رحلته ضائعة عندنا .

            توفي أبو الحسن الحمامي رابع عشرين [من ] شعبان هذه السنة عن تسع وثمانين سنة ، ودفن بمقبرة باب حرب . محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مشاذى ، أبو الحسن الهمذاني :

            أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : كتبت عنه عند رجوعه من الحج وذلك في سنة تسع وأربعمائة ، وكان ثقة . محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسن بن إسحاق ، أبو الحسن البزاز   :

            قال : محمد بن أحمد أبو الحسن البزاز سمع بمكة من عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي ، وأحمد بن محبوب الفقيه ، كتبنا عنه بعد أن كف بصره ، وكان ثقة ، وتوفي في سنة سبع عشرة وأربعمائة . صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي

            صاحب كتاب " الفصوص " في اللغة على طريقة القالي في " الأمالي " صنفه للمنصور بن أبي عامر ، فأجازه عليه خمسة آلاف دينار ، ثم قيل له : إنه كذاب متهم فيما ينقله ، فأمر بإلقاء الكتاب في النهر . فقال في ذلك بعض الشعراء :


            قد غاص في الماء كتاب الفصوص وهكذا كل ثقيل يغوص

            فلما بلغ صاعدا هذا البيت أنشد :


            عاد إلى عنصره إنما     يخرج من قعر البحور الفصوص

            قلت : كأنه سمى هذا الكتاب بهذا الاسم ليشاكل به " الصحاح " للجوهري ، لكنه كان مع فصاحته وبلاغته وعلمه متهما بالكذب فيما يرويه وينقله ، فلهذا رفض الناس كتابه ، ولم يشتهر بينهم ، وقد كان ظريفا ماجنا سريع الجواب ، سأله رجل أعمى على سبيل التهكم بحضرة جماعة ، فقال له : ما الجرنفل ؟ فأطرق ساعة ، وعرف أنه افتعل هذه اللفظة ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال : هو الذي يأتي نساء العميان ، ولا يتعداهن إلى غيرهن . فاستحيى ذلك الأعمى ، وضحك الحاضرون . وقد كانت وفاته في هذه السنة ، سامحه الله تعالى ، والله أعلم بالصواب . القفال المروزي هو أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال

            أحد أئمة الشافعية الكبار ، علما ورشدا وحفظا وتصنيفا وورعا ، وإليه تنسب الطريقة الخراسانية ، ومن أصحابه الشيخ أبو محمد الجويني ، والقاضي حسين ، وأبو علي السنجي ، قال القاضي ابن خلكان : وأخذ عنه إمام الحرمين وفيما قاله نظر ; لأن سن إمام الحرمين لا يحتمل ذلك ; فإن القفال هذا توفي في هذه السنة وله تسعون سنة ، ودفن بسجستان ، وإمام الحرمين ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة بعد وفاة القفال بسنتين . ومات سنة ثمان وسبعين كما سيأتي . وإنما قيل له : القفال ; لأنه كان أولا يعمل الأقفال ، ولم يشتغل إلا وهو ابن ثلاثين سنة ، ثم أقبل على الاشتغال بعد ذلك ، رحمه الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية