ذكر عدة حوادث
في هذه السنة سقط في العراق جميعه برد كبار ( يكون في ) الواحدة رطل أو رطلان ، وأصغره كالبيضة ، فأهلك الغلات ، ولم يصح منها إلا القليل . وفي آخر تشرين الثاني هبت ريح باردة بالعراق جمد منها الماء والخل ، وبطل دوران الدواليب على دجلة . في ربيع الآخر : قصد الأصفهلارية والغلمان دار الخليفة ، وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور ، وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديرا منا أنه ينظر في أمورنا ، فأغفلنا فعدلنا إلى أبي كاليجار ظنا منه أنه يحقق ما يعدنا به ، فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا ، فخرج الجواب بأنكم أبناء دولتنا ، وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة ، وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه ، وفيه قبح علينا وعليكم ، ثم عقدتم لأبي كاليجار عقدا لا يحسن حله من غير روية ولبني بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا [حتى ] نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده ، ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد ، ثم آل الأمر إن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له . وفيها . وفيها نقضت الدار المعزية ، وكان معز الدولة بن بويه بناها وعظمها ، وغرم عليها ألف ألف دينار ، وأول من شرع في تخريبها بهاء الدولة ، فإنه لما عمر داره بسوق الثلاثاء نقل إليها من أنقاضها ، وأخذ سقفا منها وأراد أن ينقله إلى شيراز ، فلم يتم ذلك ، فبذل فيه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار ، ونقضت الآن ، وبيع أنقاضها . وفي هذه السنة ورد انقطع الحج من خراسان والعراق أيضا ، وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات ، وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق ، وينفقون عنده من الأموال شيئا كثيرا جدا ، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية مشهورة وقد امتلأت خزائنه أموالا ، وعنده ألف رجل يخدمونه ، وثلاثمائة يحلقون حجيجه ، وثلاثمائة وخمسون يغنون ويرقصون على باب الصنم ، وقد كان العبد - يعني الملك محمود بن سبكتكين - يتمنى قلع هذا الصنم ، وكان يعوقه عنه طول المفاوز وكثرة الموانع ، ثم استخار الله تعالى وتجشم بجيشه تلك الأهوال إليه في ثلاثين ألفا ممن اختارهم سوى المطوعة ، فسلم الله تعالى حتى انتهينا إلى بلد هذا الوثن ، فملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا ، وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار . كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين أنه دخل بلاد الهند
وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا أموالا جزيلة للملك محمود بن سبكتكين ليترك لهم هذا الصنم الأعظم ، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة ، فقال : حتى أستخير الله تعالى . فلما أصبح قال : إني فكرت في الأمر فرأيت إذا نوديت يوم القيامة ، فيقال : أين محمود الذي كسر الصنم ؟ أحب إلي من أن يقال : أين محمود الذي ترك الصنم ؟ ثم عزم فكسره ، فوجد عليه وفيه من الذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه بأضعاف مضاعفة ، مع ما ادخر الله تعالى له من الأجر الجزيل في الآخرة والثناء الجميل في الأولى ، فرحمه الله وأكرم مثواه .