الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في هذه السنة سقط في العراق جميعه برد كبار ( يكون في ) الواحدة رطل أو رطلان ، وأصغره كالبيضة ، فأهلك الغلات ، ولم يصح منها إلا القليل . وفي آخر تشرين الثاني هبت ريح باردة بالعراق جمد منها الماء والخل ، وبطل دوران الدواليب على دجلة . في ربيع الآخر : قصد الأصفهلارية والغلمان دار الخليفة ، وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور ، وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديرا منا أنه ينظر في أمورنا ، فأغفلنا فعدلنا إلى أبي كاليجار ظنا منه أنه يحقق ما يعدنا به ، فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا ، فخرج الجواب بأنكم أبناء دولتنا ، وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة ، وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه ، وفيه قبح علينا وعليكم ، ثم عقدتم لأبي كاليجار عقدا لا يحسن حله من غير روية ولبني بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا [حتى ] نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده ، ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد ، ثم آل الأمر إن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له . وفيها انقطع الحج من خراسان والعراق   . وفيها نقضت الدار المعزية ، وكان معز الدولة بن بويه بناها وعظمها ، وغرم عليها ألف ألف دينار ، وأول من شرع في تخريبها بهاء الدولة ، فإنه لما عمر داره بسوق الثلاثاء نقل إليها من أنقاضها ، وأخذ سقفا منها وأراد أن ينقله إلى شيراز ، فلم يتم ذلك ، فبذل فيه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار ، ونقضت الآن ، وبيع أنقاضها . وفي هذه السنة ورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين أنه دخل بلاد الهند  أيضا ، وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات ، وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق ، وينفقون عنده من الأموال شيئا كثيرا جدا ، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية مشهورة وقد امتلأت خزائنه أموالا ، وعنده ألف رجل يخدمونه ، وثلاثمائة يحلقون حجيجه ، وثلاثمائة وخمسون يغنون ويرقصون على باب الصنم ، وقد كان العبد - يعني الملك محمود بن سبكتكين - يتمنى قلع هذا الصنم ، وكان يعوقه عنه طول المفاوز وكثرة الموانع ، ثم استخار الله تعالى وتجشم بجيشه تلك الأهوال إليه في ثلاثين ألفا ممن اختارهم سوى المطوعة ، فسلم الله تعالى حتى انتهينا إلى بلد هذا الوثن ، فملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا ، وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار .

            وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا أموالا جزيلة للملك محمود بن سبكتكين ليترك لهم هذا الصنم الأعظم ، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة ، فقال : حتى أستخير الله تعالى . فلما أصبح قال : إني فكرت في الأمر فرأيت إذا نوديت يوم القيامة ، فيقال : أين محمود الذي كسر الصنم ؟ أحب إلي من أن يقال : أين محمود الذي ترك الصنم ؟ ثم عزم فكسره ، فوجد عليه وفيه من الذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه بأضعاف مضاعفة ، مع ما ادخر الله تعالى له من الأجر الجزيل في الآخرة والثناء الجميل في الأولى ، فرحمه الله وأكرم مثواه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية