الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي شعبان توفي أبو علي بن سينا الحكيم ، الفيلسوف المشهور ، صاحب التصانيف السائرة على مذاهب الفلاسفة ، وكان موته بأصبهان ، وكان يخدم علاء الدولة أبا جعفر بن كاكويه ، ولا شك أن أبا جعفر كان فاسد الاعتقاد ، فلهذا أقدم ابن سينا على تصانيفه في الإلحاد ، والرد على الشرائع ( في بلده ) . شيء من ترجمته كان نادرة في زمانه ، كان أبوه من أهل بلخ وانتقل إلى بخارى ، واشتغل بها ابن سينا فقرأ القرآن ، وأتقن علومه وهو ابن عشر ، وأتقن الحساب والجبر والمقابلة و " إقليدس " و " المجسطي " ، ثم اشتغل على أبي عبد الله الناتلي الحكيم ، فبرع فيه ، وفاق أهل زمانه ، وتردد الناس إليه ، واشتغلوا عليه ، وهو ابن ست عشرة سنة ، وقد عالج بعض الملوك السامانية ، وهو الأمير نوح بن نصر ، فأعطاه جائزة سنية ، وحكمه في خزانة كتبه ، فرأى فيها من العجائب ، فيقال : إنه عزا بعض تلك الكتب إلى نفسه . وله في الإلهيات والطبيعيات كتب كثيرة .

            قال ابن خلكان : له نحو من مائة مصنف ; صغار وكبار ، منها " القانون " و " الشفاء " و " النجاة " و " الإشارات " و " سلامان وإبسال " و " حي بن يقظان " وغير ذلك . قال : وكان من فلاسفة الإسلام . ثم أورد له من الأشعار قصيدته التي يقول فيها :


            هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع     محجوبة عن كل مقلة عارف
            وهي التي سفرت فلم تتبرقع     وصلت على كره إليك وربما
            كرهت فراقك وهي ذات تفجع

            وهي طويلة . وقوله أيضا :


            اجعل غذاءك كل يوم مرة     واحذر طعاما قبل هضم طعام
            واحفظ منيك ما استطعت فإنه     ماء الحياة يراق في الأرحام

            وذكر أنه مات بالقولنج في همذان ، وقيل : بأصبهان ، والأول أصح . يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، عن ثمان وخمسين سنة . قلت : وقد لخص الغزالي كلامه في " مقاصد الفلاسفة " ، ثم رد عليه في " تهافت الفلاسفة " في عشرين مسألة ، كفره في ثلاث مسائل منهن ; وهي قوله بقدم العالم ، وعدم المعاد الجسماني ، وأن الله لا يعلم الجزئيات ، وبدعه في البواقي ، ويقال : إنه تاب عند الموت . فالله سبحانه وتعالى أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية