ذكر ظهور الخلف بين قرواش وأخيه أبي كامل وصلحهما
في هذه السنة ظهر الخلف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهورا آل إلى المحاربة ، وقد تقدم سبب ذلك .
فلما اشتد الأمر وفسد الحال فسادا لا يمكن إصلاحه - جمع كل منهما جمعا لمحاربة صاحبه ، وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد ، وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان ، وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي ، وغيرهما من الأكراد ، وساروا إلى معلثايا فأخربوا المدينة ونهبوها ، ونزلوا بالمغيثة ، وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب ، فنزلوا بمرج بابنيثا ، وبين الطائفتين نحو فرسخ ، واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم ، وافترقوا من غير ظفر ، ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ، ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان ، بل كان ناحية ، ووافقه أبو الحسن الحميدي ، وساروا عن قرواش ، وفارقه جمع من العرب ، وقصدوا أخاه ، فضعف أمر قرواش ، وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير ، فركبت العرب من أصحاب أبي كامل لقصده ، فمنعهم ، وأسفر الصبح يوم الاثنين وقد تسرع بعضهم ونهب بعضا من عرب قرواش ، وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ، ونقله إلى حلته ، وأحسن عشرته ، ثم أنفذه إلى الموصل محجورا عليه ، وجعل معه بعض زوجاته في دار .
وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار لسوء طريقهم وفسادهم ، فهرب الباقون منهم ، وبقي بعضهم بالسندية ، فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار ، وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة ، وقتلوا حارسا ، وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل ، فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل ، فكثروا ، وثار بهم أصحاب قرواش فاقتتلوا ، فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة ، وهرب الباقون ، فبلغه خبر استيلاء أخيه ، ولم يبلغه عود أصحابه .
ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه ، واشتطوا عليه ، فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته ، فبادرهم إليه وقبل يده وقال له : إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك ، وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك في ، وأشعرك الوحشة مني ، والآن فأنت الأمير ، وأنا الطائع لأمرك والتابع لك . فقا له قرواش : بل أنت الأخ ، والأمر لك مسلم ، وأنت أقوم به مني . وصلح الحال بينهما ، وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره . وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا ، فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالا عنها ، فتظاهر بلال ( بالخلاف عليهما ) وجمع إلى نفسه جمعا وقاتل أصحاب قرواش ، وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما ، فانحدر قرواش من الموصل إليهما وحصرهما وأخذهما .