[إطلاق عميد الملك لسانه بالقبيح ووصوله إلى الخليفة]
وأطلق عميد الملك لسانه بالقبيح وقال: قد كان يجب أن يقع الامتناع في أول الأمر ، ولا يكون اقتراح وتذكرة . ثم غضب وأخرج نوبه فضربها بالنهروان ، وسأله قاضي القضاة وأبو منصور بن يوسف التوقف ، وكاتبا الخليفة وأرهباه ، وساقا الأمر إلى العقد على أن يشهد عميد الملك وقاضي الري بحكم وكالتهما في هذا الأمر على نفوسهما أنهما لا يطالبان بالجهة المطلوبة مدة أربع سنين ، ثم استفتى الفقهاء في ذلك ، فقال الحنفيون: العقد يصح والشرط يلغو . وقال الشافعيون: العقد يبطل إذا دخله شرط .
ووصل عميد الملك إلى الخليفة في ليلة الجمعة ثامن جمادى الآخرة فوعظه ونهاه عما قد لج فيه ، فقال: نحن نحضر جماعة من الواردين صحبتك ، ونرد هذا الأمر إلى رأيك وتدبيرك ، فيظهر جلوسنا وإجابتنا للخاص والعام ، وتكفينا أنت بحسن نياتك في هذا الأمر في الباطن ، ففيه الغضاضة والوهن ، ولم تجر لبني العباس بمثله عادة من قبل .
وجاء كتاب من السلطان إلى عميد الملك يأمره بالرفق ، وأن لا يخاطب في هذا الأمر إلا بالجميل ، وذلك في جواب كتاب من الديوان إلى خمارتكين يشكو فيه مما يجري من عميد الملك ، ويؤمر بإطلاع السلطان عليه ، فعاد جواب خمارتكين أن السلطان غير مؤثر لشيء مما يجري ، ولا يكرهه على هذه الحال ، فبقيت الحال على ما هي عليه ، وعميد الملك يقول ويكثر ، والخليفة يحتمل ويصبر ، وجاء يوما إلى الديوان بثياب بيض ، وتوسط الأمر قاضي القضاء الدامغاني ، وأبو منصور بن يوسف ، واستقر الأمر على أن كتب الخليفة لعميد الملك: إننا قد استخلفناك على هذا الأمر ، ورضينا بك فيما تفعله ، مما يعود بمرضاتنا ومرضاة ركن الدين ، فاعمل في ذلك برأيك الصائب الموفق؛ تزجية للحال ، ودفعا بالأيام ، وترقبا لأحد أمرين: إما قناعة السلطان بهذا الأمر ، أو طلب الإتمام ، فلا يمكن المخالفة .
ثم دخل عميد الملك يوما إلى الخليفة ومعه قاضي القضاة وجماعة من الشهود ، وقال: أسأل مولانا أمير المؤمنين التطول بذكر ما شرف به ركن الدين الخادم الناصح فيما رغب فيه ، وسمت نفسه إليه ليعرفه الجماعة من رأيه الكريم ، وأراد أن يقول الخليفة ما يلزمه به الحجة بالإجابة . ففطن لذلك فقال: قد شرط في المعنى ما فيه كفاية ، والحال عليه جارية . فانصرف مغتاظا ، ورحل في عشية يوم الثلاثاء السادس والعشرين من جمادى الآخرة ، ورد المال والجواهر والآلات إلى همذان ، وبقي الناس وجلين من هذه المنازعة .