الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية ، والنصرية ، وشارع دار الرقيق ، وباب البصرة ، والقلائين ، ونهر طابق بعد أن أغلقوا دكاكينهم ، وقصدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ ، واجتمعوا وازدحموا على باب الغربة ، وتكلموا من غير تحفظ في القول ، فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة ، ونحن نغفل في هذا ما لا يقع به المراد . فانصرفوا وقبض على ابن الفاخر العلوي في آخرين ، ووكل بهم في الديوان ، وهرب صاحب الشرطة؛ لأنه كان أجاز لأهل الكرخ ما فعلوا ، وركب أصحاب السلطان فأرهبوا العامة ، وقد كانوا على التعرض بأهل الكرخ وإيقاع الفتنة ، ثم واصل أهل الكرخ التردد إلى الديوان ، والتنصل مما كان ، والاحتجاج بصاحب الشرطة ، وأنه أمرهم بذلك ، والسؤال في معنى المعتقلين ، فأفرج عنهم في ثامن عشر المحرم بعد أن خرج توقيع بلعن من يسب الصحابة ، ويظهر البدع . قال ابن الجوزي : في ربيع الأول ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان ورقبتان وأربع أيدي على بدن كامل ثم ماتت . وفي هذا الشهر: مرض الأمير عدة الدين [أبو القاسم] ، وتعدى ذلك إلى الخليفة جده ، ولحق الناس من الانزعاج والارتياع أمر عظيم؛  لأنه لم يكن بقي من يلتجأ إليه غير هذا الجناب ، فتفضل الله تعالى بعافيتهما ، فاجتمع العوام إلى باب الغربة داعين وشاكرين الله تعالى على نعمه . ووردت كتب التجار من بعد بأن ستة وعشرين مركبا خطفت من سواحل البحر طالبة لعمان ،  فغرقت في الليلة الأخيرة من طلوع هذا الكوكب ، وهلك فيها نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وجميع المتاع الذي حوته ، وكان من جملته عشرة آلاف طبلة كافور . وفي يوم الأحد تاسع جمادى [الآخرة]: خلع على فخر الدولة أبي نصر بن جهير بعد أن شافهه بما طاب قلبه ورفع من مرتبته . وفي شعبان: وقع قتال في دمشق فضربوا دارا كان مجاورا للجامع بالنار ، فاحترق جامع دمشق .  وفي شعبان: ذكر رجل من أهل سوق يحيى يقال له: أخو جمادى ، وكانت يده اليسرى قد خبثت وأشرف على قطعها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه كأنه يصلي في مسجد بدرب داود ، فدنا منه وأراه يده ، وسأله العافية ، فأمر يده عليها فأصبح معافى ، وانثال الناس لمشاهدته ، وكان يغمس يده في الماء فيقتسمونه ، وستأتي قصته مستوفاة في السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى . ورخصت الأسعار في هذه السنة رخصا متفاحشا حتى صار الكر الجيد من الحنطة بعشرة دنانير . وفي ليلة الأحد لأربع بقين من شعبان: انقض كوكبان كان لأحدهما ضوء كضوء القمر ، وتبعهما في نحو ساعة بضعة عشر كوكبا صغارا إلى [نحو] المغرب .  وفي رمضان: نقص الماء من دجلة فاستوعبه القاطول ، وتعلق نهر الدجيل عليه ، فهلكت الثمار ، وزادت الأسعار ،  وامتنعت السفن من عكبرا وأوانا من الانحدار ، فكان أقوام يعبرون إلى أوانا بمداساتهم على الآجر ، وغارت المياه في الآبار ببغداد . وفي هذا الشهر: كسي جامع المنصور ، وفرش بالبواري ، فدخل فيه أربع وعشرون ألف ذراع بواري ، وثلاثمائة منا خيوطا ، وأخذ الصناع الخياطين لها أجرتهم عشرين دينارا . وفي شوال: أنفذ خادم خاص إلى السلطان للتهنئة بسلامته في غزوته ،  وإقامة تشريفات عليه ، وأضيف إلى الخادم أبو محمد التميمي ، ورسم لهما الخطاب فيما يستعمله النظام مع حواشي الدار من التعرض لما في أيديهم ، والخطاب على التقدم إلى السيدة أرسلان خاتون بالمسير إلى دار الخلافة ، فقد طالت غيبتها ، وأخرج الوزير أبو نصر حاجبا له مع الجماعة بقود وتحف .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية