في سنة تسع وستين وأربعمائة تزوج الأمير علي بن أبي منصور بن فرامرز بن علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه أرسلان خاتون بنت داود عمة السلطان ملكشاه التي كانت زوجة القائم بأمر الله .
وفيها كان بالجزيرة والعراق والشام وباء عظيم ، وموت كثير حتى بقي كثير [ من ] الغلات ليس لها من يعملها لكثرة الموت في الناس .
وفي جمادى الآخرة منها زادت دجلة زيادة كثيرة إحدى وعشرين ذراعا ونصفا فنقل الناس أموالهم ، وخيف على دار الخلافة فنقل تابوت القائم بأمر الله ليلا إلى الترب بالرصافة .
وفي شوال منها وقعت وذلك لأن ابن القشيري قدم بغداد فجلس يتكلم في النظامية ، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم وساعده أبو سعد الصوفي ومال معه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وكتب إلى نظام الملك يشكو إليه الحنابلة ويسأله المعونة ، وذهب جماعة إلى الشريف أبي جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة وهو في مسجده فدافع عنه آخرون ، وقتل رجل خياط من سوق الثلاثاء ، وجرح آخرون وثارت الفتنة ، وكتب الشيخ أبو إسحاق وأبو بكر الشاشي إلى نظام الملك فجاء كتابه إلى فخر الدولة ينكر ما وقع ويكره أن ينسب إلى المدرسة التي بناها شيء من ذلك ، وعزم الشيخ أبو إسحاق على الرحلة من بغداد غضبا مما وقع من الشر ، فأرسل إليه الخليفة يسكنه ثم جمع بينه وبين الشريف أبي جعفر وأبي سعد الصوفي وأبي نصر بن القشيري عند الوزير ، فأقبل الوزير على أبي جعفر يعظمه في الفعال والمقال ، وقام إليه الشيخ أبو إسحاق فقال : أنا ذلك الذي كنت تعرفه وأنا شاب وهذه كتبي في الأصول ، أقول فيها خلافا للأشعرية ثم قبل رأسه فقال له أبو جعفر : صدقت ، إلا أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما في نفسك ، فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجا بزرك يعني نظام الملك أبديت ما كان مختفيا في نفسك ، وقام الشيخ أبو سعد الصوفي فقبل رأس الشريف أبي جعفر أيضا ، وتلطف به فالتفت إليه مغضبا وقال : أيها الشيخ أما الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل ، وأما أنت فصاحب لهو وسماع وتعبير فمن زاحمك منا على باطلك؟ ثم قال : أيها الوزير : أي صلح بيننا ، ونحن نوجب ما نعتقده وهم يحرمون؟! وهذا جد الخليفة القائم ، والقادر قد أظهرا اعتقادهما للناس على رءوس الأشهاد على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف ونحن على ذلك كما وافق عليه العراقيون والخراسانيون وقرئ على الناس في الدواوين كلها ، فأرسل الوزير إلى الخليفة يعلمه بما جرى فجاء الجواب بشكر الجماعة وخصوصا الشريف أبا جعفر ، ثم استدعي إلى دار الخلافة للسلام عليه والتبرك بدعائه . الفتنة بين الحنابلة والأشعرية
وحج بالناس فيها الأمير ختلغ التركي مقطع الكوفة . فمن الحوادث فيها:
[مرض الخليفة]
أنه مرض الخليفة في المحرم فأرجف به ، فركب في التاج حتى رآه العوام فسكنوا .
وكان بالمدينة أمير يقال له: الحسين بن مهنأ قد وضع على من يرد لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضريبة تشبيها بما يفعل بمكة ، وإنما كان يؤخذ من التجار القاصدين مكة ، فأما المدينة فإنه لا يراد منها إلا الزيارة ، ونشأت بذلك السمعة ، فدخل رجل علوي المدينة فخطب بها للمصري في صفر ، وهرب ابن مهنأ .
وكان قد فلم يتم ذلك وأعطيها ولده الأكبر واسمه: نصر ، فسلك طريق أبيه في كرمه ، وقد مدحه ابن حيوس بقصيدة فقال فيها: توفي محمود بن نصر صاحب حلب ووصى لابنه شبيب بالبلد والقلعة ،
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ولا افترقت ما فر عن ناظر شفر ضميرك والتقوى وجودك والغنى
ولفظك والمعنى وعزمك والنصر وكان لمحمود بن نصر سجية
وغالب ظني أن سيخلفها نصر
على بابك المعمور منا عصابة مفاليس فانظر في أمور المفاليس
وقد قنعت منك العصابة كلها بعشر الذي أعطيته لابن حيوس
وما بيننا هذا التفاوت كله ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
وفي ذي القعدة: أخرج أبو طالب الزينبي إلى مكة لأجل البيعة للمقتدي على أمير مكة ابن أبي هاشم وأصحب خلعة .
وفي ذي الحجة: فبلغ الخبز بها رطلين بدينار ، وقرر عليها مائة وخمسون ألفا وأخذوها وعادوا . ورد الخبر بأن سابور بن محمود صاحب حلب أنفذ إلى أنطاكية بمن حاصرها ،