الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث .

            في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة تسلم مؤيد الملك بن نظام الملك تكريت من صاحبها المهرباط   . وفيها أذن للوعاظ في الجلوس للوعظ ; وكانوا قد منعوا من وقت فتنة ابن القشيري ، وفيها قبض على جماعة من الفتيان ; كانوا قد جعلوا عليهم رئيسا يقال له عبد القادر الهاشمي ، وقد كاتبوه من الأقطار وكان الساعي له رجلا يقال له : ابن رسول ، وكانوا يجتمعون عند جامع براثا فخيف من أمرهم أن يكونوا ممالئين للمصريين فأمر بالقبض عليهم . وحج بالناس ختلغ التركي . والله أعلم . وفي ذي الحجة: قبض على إنسان يعرف: بابن الرسولي الخباز ، وعلى عبد القادر الهاشمي البزاز ، وجماعة انتسبوا إلى الفتوة ، وكان هذا ابن الرسولي قد صنف شيئا في معنى الفتوة وفضائلها وقانونها ، وجعل عبد القادر المتقدم على من يدخل في الفتوة ، وأن يكونوا تلامذته ، وكتب لكل منهم منشورا وقلده صقعا ، ولقب نفسه: كاتب الفتيان ، وجعل ذلك طريقا إلى دعوات ومجتمعات تعود بمصلحته ، وكتب إلى خادم لصحاب مصر بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم يعرف: بخالصة الملك ريحان الإسكندراني ، قد ندب نفسه لرياسة الفتيان ، وصارت المكاتبات من جميع البلدان صادرة منه وإليه ، والتعويل في هذا الفن وقف عليه ، وعن لابن الرسولي أن جعل اجتماعهم بمسجد براثا ، وكان مسدود الباب مهجورا ، ففتح بابه ونصب عليه بابا ، ورتب فيه من يراعيه ، فعرف ذلك أصحاب عبد الصمد فأنكروه وشكوه إلى الديوان ، وعظموا ما يكون منه وما يتفرع عنه ، وقالوا: إن هؤلاء القوم يدعون لصاحب مصر ، ويجعلون ذكر الفتوة عنوانا لجمع الكلمة على هذا الباطن ، فطالع الوزير عميد الدولة بالحال ، فتقدم حينئذ بالقبض على ابن الرسولي وعبد القادر ، والكشف عن الحال ، ووجد لابن الرسولي في هذا المعنى كتب كثيرة ، وكتاب منه إلى الخادم المقدم ذكره ، فاستخلاه الوزير أبو العميد الدولة وسأله عن الداخلين في هذا الجهل ، فأثبته له جميعهم ، وطلبوا فقبض على من وجد منهم ، وهرب الباقون ، وجعل الشحنة والوالي ذلك طريقا إلى [الشنقصة و] قطع المصانعات عليهم ، ونهبت دورهم ، ثم أخذت فتاوى الفقهاء عليهم بوجوب كفهم عن هذا الفساد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية