ذكر عدة حوادث .
في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، في المحرم ، قتل فيها جماعة ، من جملتهم القاضي أبو الحسن ابن القاضي أبي الحسين بن الغريق الهاشمي ، الخطيب ، أصابه سهم فمات منه ، ولما قتل تولى ابنه الشريف أبو تمام ما كان إليه من الخطابة ، وكان العميد كمال الملك الدهستاني ببغداذ ، فسار بخيله ورجله إلى القنطرة العتيقة وأعان أهل الكرخ ، ثم جرت بينهم فتنة ثانية في شوال منها ، فأعان الحجاج على أهل الكرخ فانهزموا ، وبلغ الناس إلى درب اللؤلؤ ، وكاد أهل الكرخ يهلكون ، فخرج أبو الحسن بن برغوث العلوي إلى مقدم الأحداث من السنة ، فسأله العفو ، فعاد عنهم ورد الناس . جرى بين أهل الكرخ وأهل باب البصرة فتنة
( وفيها زاد الماء بدجلة تاسع عشر حزيران ، وجاء المطر يومين ببغداد ) وفيها ، في ربيع الأول ، أرسل العميد كمال الملك إلى الأنبار ، فتسلمها من بني عقيل ، وخرجت من أيديهم .
وفيها ، في ربيع الآخر ، فرغت المنارة بجامع القصر وأذن فيها .
وفيها ، في جمادى الأولى ، ورد الشريف أبو القاسم علي بن أبي يعلى الحسني الدبوسي إلى بغداذ في تجمل عظيم ، لم ير مثله لفقيه ، ورتب مدرسا بالنظامية بعد أبي سعد المتولي .
فيها أمر السلطان أن يزاد في إقطاع وكلاء الخليفة نهر برزى من طريق خراسان ، وعشرة آلاف دينار من معاملة بغداذ .
وفيها أقطع السلطان ملكشاه محمد بن شرف الدولة مسلم مدينة الرحبة وأعمالها ، وحران ، وسروج ، والرقة ، والخابور ، وزوجه بأخته زليخا خاتون ، فتسلم البلاد جميعها ما عدا حران ، فإن محمد بن الشاطر امتنع من تسليمها ، فلما وصل السلطان إلى الشام نزل عنها ابن الشاطر ، فسلمها السلطان إلى محمد .
وفيها كانت زلازل بالعراق ، والجزيرة ، والشام ، وكثير من البلاد ، فخربت كثيرا من البلاد ، وفارق الناس مساكنهم إلى الصحراء ، فلما سكنت عادوا .
وفيها عزل فخر الدولة بن جهير عن ديار بكر ، وسلمها السلطان إلى العميد أبي علي البلخي ، وجعله عاملا عليها .
وفيها أسقط اسم الخليفة المصري من الحرمين الشريفين ، وذكر اسم الخليفة المقتدي بأمر الله .
وفيها أسقط السلطان المكوس والاجتيازات بالعراق .
وفيها حصر تميم بن المعز بن باديس ، صاحب إفريقية ، مدينتي قابس وسفاقس في وقت واحد ، وفرق عليهما العساكر . وحج بالناس الأمير خمارتكين الحسناني ، وقطعت خطبة المصريين من مكة والمدينة وقلعت الصفائح التي على باب الكعبة التي عليها ذكر المصري وجدد غيرها عليها اسم المقتدي .
قال ابن الجوزي : وظهر رجل بين السندية وواسط يقطع الطريق وهو مقطوع اليد اليسرى يفتح القفل في أسرع مدة ويغوص دجلة في غوصتين ويقفز القفزة خمسة وعشرين ذراعا ويتسلق الحيطان الملس ولا يقدر عليه أحد وخرج من العراق سالما . قال وفيها توفي فقير يسأل الناس في جامع المنصور فوجد في مرقعته ستمائة دينار مغربية . قال وفيها عمل سيف الدولة صدقة سماطا للسلطان جلال الدولة أبي الفتح ملكشاه اشتمل على ألف رأس من الغنم ومائة من الجمال ، وغيرها ، ودخله عشرون ألفا منا من السكر ، وقد علق عليه من أصناف الطيور والوحوش المنفوخة من السكر شيء كثير فتناول السلطان منه شيئا يسيرا ، ثم أشار فانتهب عن آخره ، ثم انتقل من ذلك المكان إلى سرادق عظيم لم ير مثله من الحرير ، وفيه خمسمائة قطعة من الفضة وألوان من تماثيل الند والمسك والعنبر وغير ذلك فمد فيه سماطا خاصا فأكل السلطان حينئذ وحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم له ذلك السرادق بكماله ، وانصرف .
تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحوادث فيها:
أنه في المحرم وأريقت الخمور ، وكسرت الملاهي ، ونقضت دور يلجأ إليها المفسدون . تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونودي بذلك في الأسواق ،
وفيه: قتل رجلان كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر وتأخذ أموال الناس وتنفقها عليهما ، ثم مالت إلى أحدهما دون الآخر ، فظفر به الآخر فقتله ، فظفرت بالقاتل أخت المقتول [فجرحته ، فجاء أخوها] فقتله فقبرا من ساعتهما .
وفيه: قتل منفوخة المسلحي بالكرخ بين السورين ، فرت الشحنة وكبس دار الطاهر نقيب الطالبيين ، وقد كان لجأ إليها جماعة من المتهمين ، فقبض عليهم وأخذ منهم أموالا ، فاتفقت السنة والشيعة على الاستغاثة على الشحنة ، فتغيب فطلبه الأتراك ، فأخذ مسحوبا إلى الباب فاعتقل ، وأمر برد ما أخذ وأخرج منفوخة فأحرق على بابه .
وفي صفر: فحضره أرباب الدولة ، وخرج التوقيع بتقليده المظالم ، وكان فيه: "ولما رأى أمير المؤمنين في محمد بن محمد بن الحسين من العفاف والديانة والثقة والصيانة قلده المظالم ، وقد أخذ عليه [تقوى] الله وطاعته والسعي في كل ما كان يزلفه عنده ويقربه من أمير المؤمنين" فكان كل ما قرئ هذا قبل الأرض ، ثم خرج فجلس بباب النوبي ، ثم دعا الأمراء بالمعروف فكانوا أعوانه ، وكان صينا نزها . تقدم المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين بن المعوج إلى الديوان فخلع عليه ،
وفي هذا الشهر: ثارت الفتنة بين السنة والشيعة ، وقتل جماعة منهم أبو الحسن بن المهتدي الخطيب ، وكانت الوقعة بين جامع المنصور والقنطرة العتيقة ، فتولى قتال أهل السنة العميد والشحنة ، ثم حاصر الطائفتان أياما فلم يقدر أحد أن يظهر ، فجبي لهما مال تولى جبايته النقيبان ، فتقدم أمير المؤمنين بالقبض على النقيبين [فحبس النقيبين] ، فأنكرا ما فعلا ، وألزم العميد الشحنة رد ما أخذا .
وفي هذا الشهر: قدم خدم ابن أبي هاشم [من مكة] بخرق الدم معلقة على حراب الأضاحي ، وخرج حجاب الديوان لتلقيهم ، وعادوا والقراء بين أيديهم ، فنزلوا وقبلوا العتبة الشريفة ، وصاروا إلى دار الضيافة ، فأدر عليهم ما جرت به العادة .
وبعث في هذه السنة صفائح ذهب وفضة لتعلق على الباب ففعل ذلك ، وقلع كل ما كان [على الباب مما] عليه اسم صاحب مصر ، وكتب اسم المقتدي .
وفي صفر أيضا: فخرج المقتدي بالله يمشي في الدار ، فخرج إليه ثلاثة من الرجال فقبلوا الأرض وقالوا: نحن رجال من رؤساء نهر الفضل صودرنا وعوقبنا ، ولنا أربعة أشهر على الباب لم ينجز لنا حال ، فتوصلنا إلى أن دخلنا في حد الروزجارية فقال: فمن فعل بكم هذا؟ قالوا: ابن زريق الناظر بواسط ، فوعدهم الجميل فخرجوا ، وتقدم من ساعته بإيضاح الحال ، فإن كان كما ذكروا فليعزل ابن زريق عن أعمال واسط ، وليصعد به منكلا . ثم تقدم إلى صاحب المظالم أن لا يطوى حال أحد من الرعية ، ثم وصل أولئك وأحدرهم وأصحبهم من يستوفي من ابن زريق ما لهم ، وينفذ فيه ما تقدم به . وفي جمادى الآخر: دخل عريف الصناع والفعلة والصناع معه على العادة إلى دار الخلافة ، فلما كثر ذلك أمر المقتدي بتفرقة الأدوية والأشربة على المحال ، ثم فض عليهم المال . بدأ الطاعون بالعراق ، وكان عامة أمراضهم حمى الربع ، ثم يتعقبها الموت ،
وفي هذا الشهر: ووصل صدقة بن مزيد من المعسكر السلطاني من أصبهان فنزل النهروان ، وطلب من الديوان أن يتلقى كما كانت عادة أبيه فلم يجب إلى ذلك ، فعدل إلى بلاده . في رجب: وقعت نار بواسط فأحرقت سوق الصيدلة من الجانبين ، وفتتت أسطوانة حتى صارت رميما ، وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارا ، فخر الناس على وجوههم ، وسقطت أخرى بخرابة ابن جردة فقتلت غلاما تركيا ، وسقطت أخرى على جبل آمد فصار رمادا ، ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار الشام . وقعت صاعقة في خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت جزءا من كنيسة الخان ،
وفي رمضان: كثرت الوحول في الطرقات ، فأمر أمير المؤمنين بتنظيفها ، وأقيم عدد من الفعلة لتنظيفها ومائة من البهائم لنقلها .
فنهض بعض المتفقهة وأورد أخبارا في مدح الصحابة ، وقال: ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ [والسنة ظاهرة] ويد أمير المؤمنين الباسطة القاهرة . فطولع بما قال ، فخرج [التوقيع] بما معناه: أنهى ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عنهما ، وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة التي استوجبوا بها النكال ، واستحقوا العظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ولولا ما تدرع به من جلباب الحلم ، وأسباب يتوخاها لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن وربع الكرخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب "بالصلاة خير من النوم" وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد ليجري على هذه السنة في بلاده وفي أول يوم من شوال: حضر الموكب النقيبان والأشراف والقضاة والشهود ، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
وفي شوال: وأنه بسعادة الخدمة فتح حلب ، وأنطاكية ، والرها ، وقلعة جعبر ، وطرفا من بلاد الروم ، وهو في أثر هذه الخدمة ، فخرج من بغداد النقيبان طراد والمعمر ، فخدماه بالموصل ، وتلاهما عفيف ، ثم ذوو المناصب ، فلما وصل الصالحين نفذ من الإقامات ما لا يحصى ، وخرج الموكب لتلقيه فتوجه الوزير أبو شجاع والنقيبان والجماعة والقراء والطبول والبوقات فبلغوه عن المقتدى [بأمر الله] السلام والتهنئة بالتقدم ، فقام وقبل الأرض ثم دخل بغداد . وصل رسول السلطان بكتب تتضمن الدعاء للمواقف المقدسة ، والاعتذار من تأخره عن الخدمة ، وأن يقلده ما بيده من البلاد، فبعث إليه الخلع والأعلام والتقليد، ولقبه: بأمير المسلمين، ففرح بذلك وسر به فقهاء المغرب، وهو الذي أنشأ مدينة مراكش. وفي سنة تسع وسبعين: أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المقتدي يطلب أن يسلطنه