الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث   .

            في سنة ثمانين وأربعمائة ولد للسلطان ابن من تركان خاتون ، وسماه محمودا ، وهو الذي خطب له بالمملكة بعد .

            وفيها سلم السلطان ملكشاه مدينة حلب والقلعة إلى مملوكه آقسنقر ، فوليها ، وأظهر فيها العدل وحسن السيرة وكان زوج داية السلطان ملكشاه ، وهي التي تحضنه وتربيه ، وماتت بحلب سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] .

            وفيها استبق ساعيان أحدهما للسلطان فضلي ، والآخر للأمير قماج مرعوشي ، فسبق ساعي السلطان ، وقد تقدم ذكر الفضلي والمرعوشي أيام معز الدولة بن بويه .

            وفيها جعل السلطان ولي عهده ولده أبا شجاع أحمد ، ولقبه ملك الملوك ، عضد الدولة ، وتاج الملة ، عدة أمير المؤمنين ، وأرسل إلى الخليفة بعد مسيره من بغداذ ، ليخطب له ببغداذ بذلك ، فخطب له في شعبان ، ونثر الذهب على الخطباء .

            وفيها ، في شعبان ، انحدر سعد الدولة كوهرائين إلى واسط لمحاربة مهذب الدولة بن أبي الجبر ، صاحب البطائح ، ولما فارق بغداذ كثرت فيها الفتن .

            وفيها ، في ذي القعدة ، ولد للخليفة من ابنة السلطان ولد سماه جعفرا ، وكناه أبا الفضل ، وزين البلد لأجل ذلك .

            وفيها استولى العميد ( كمال الملك ) أبو الفتح الدهستاني ، عميد العراق ، على مدينة هيت ، أخذها صلحا ومضى إليها ، وعاد عنها في ذي القعدة .

            وفيها وقعت فتنة بين الكرخ وغيرها من المحال ، قتل فيها كثير من الناس .

            وفيها كسفت الشمس كسوفا كليا . وفيها شرع في بناء التاجية بباب أبرز ، وعملت مسناة ، وغرست النخيل والفواكه هنالك ، وعمل سور بأمر السلطان ملكشاه .

            وحج بالناس نجم الدولة خمارتكين . وفيها:

            أنه نودي في يوم الخميس غرة المحرم برفع الضرائب والمكوس بتوقيع شريف صدر عن المقتدي بأمر الله  ، وكتبت ألواح ألصقت على الجوامع بتحريم ذلك .

            وخرج السلطان ملك شاه في رابع المحرم إلى ناحية الكوفة للصيد فاصطاد هو وعسكره ألوفا حتى بني من حوافرها منارة كبيرة عند الرباط الذي أمر ببنائه بالسبيعي بقرب الرحبة في طريق مكة ، وهي باقية إلى الآن ، وتسمى: منارة القرون ، وقيل إنه كان فيها أربعة آلاف رأس .

            وخرج نظام الملك إلى المشهد بالكوفة والحائر فزارهما .

            وفي يوم السبت سابع عشر المحرم: بعث المقتدي ظفر الخادم فاستدعى السلطان ملك شاه ، فأنفذ إليه الطيار ، فلما وصل السلطان إلى باب الغربة قدم إليه مركوب الخليفة بمركب جديد صيني وسرج من لبد أسود ، فركبه ووصل إلى الخليفة فأمره بالجلوس فامتنع ، فأمره ثانيا وأقسم عليه حتى جلس ، وتقدم بإضافة الخلع عليه ، ولم يزل نظام الملك يأتي بأمير أمير إلى تجاه السدة فيقول للأمير بالفارسية: هذا أمير المؤمنين ، ثم يقول للخليفة: هذا العبد الخادم فلان بن فلان ولايته كذا ، وعسكره كذا ، وذلك الأمير يقبل الأرض ، وكانوا أكثر من أربعين أميرا ، وكان في جملة الأمراء



            آيتكين خال السلطان ، فلما حضر استقبل القبلة ، وصلى بإزاء الخليفة ركعتين ، واستلم الحيطان ، ومسح بيده وجسمه ، وعاد السلطان وعليه الخلع والتاج والطوقان ، وكمشتكين الجامدار يرفع ذيله عن يمينه ، وسعد الدولة يرفعه عن شماله ، فمثل بين يدي السدة وقبل الأرض دفعات ، فقلده سيفين فقال الوزير أبو شجاع: يا جلال الدولة ، هذا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الذي اصطفاه الله بعز الإمامة ، واسترعاه الأمة ، فقد أوقع الوديعة عندك موقعها ، وقلدك سيفين لتكون قويا على أعداء الله . فسأل تقبيل يد الخليفة فلم يجبه ، فسأل تقبيل خاتمه فأعطاه إياه فقبله ووضعه على عينه ، وحضر الناس بأجمعهم فشاهدوا الخليفة والسلطان ، ثم انكفأ وحمل بين يديه ثلاثة ألوية ، وثلاث أفراس في السفن ، وأربعة على الطريق ، واستقبل من داره بالدبادب والرايات ، ونثرت الدراهم والدنانير ، وأنفذ إليه الخليفة سريرا مذهبا ومخادا .

            وفي يوم الاثنين ثاني عشر محرم: جاء نظام الملك إلى دار ابنة مؤيد الملك ، فبات بها  وجاء من الغد إلى المدرسة ، ولم يكن رآها نهارا ، وجلس بها وقرئ عليه فيها الحديث ، وأملى أيضا الحديث ، وبات بدار ولده ، وعاد إلى الزاهر من الغد .

            وأنفذ السلطان في ثامن عشر المحرم إلى الخليفة صندوقين فيهما مال وعمل للأمراء  سماطا ، ثم اجتاز السلطان في الحريم ولم يكن رآه ، وخرج إلى الحلبة ، ثم عاد بعد أيام فجاز فيه ، فنثرت عليه الدراهم والدنانير وأثواب الديباج وغلق البلد لذلك ، ثم عبر في هذا اليوم إلى الجانب الغربي ، فدخل العطارين والقطيعتين ، ومضى إلى الشونيزي والتوثة ، ونزل دجلة .

            قال المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قال: دخل نظام الملك بغداد أواخر سنة ثمانين ، فلم يدرك رجلا يومئ إليه من أهل العلم . وفي خامس صفر: تقدم السلطان بالنداء في سوق المدرسة: لا حريم إلا لأمير المؤمنين ،  وهذا الموضع داخل في حريمه .

            وفي هذا اليوم: هرب تركي إلى دار الخليفة من أجل أنه أخذ صبيا فأدخل في دبره دبوسا فمات ، فسلمه الخليفة إلى أصحاب الملك فصلب .

            وفي نصف صفر: خرج ملك شاه من بغداد نحو أصفهان ومعه نظام الملك ، وخرج الوزير أبو شجاع فودعه بالنهروان .  

            التالي السابق


            الخدمات العلمية