الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            نهب العرب البصرة  وفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ، في جمادى الأولى نهب العرب البصرة نهبا قبيحا .

            وسبب ذلك أنه ورد إلى بغداذ ، في بعض السنين ، رجل أشقر من سواد النيل يدعي الأدب ، والنجوم ، ويستجري الناس ، فلقبه أهل بغداذ تليا ، وكان نازلا في بعض الخانات ، فسرق ثيابا من الديباج وغيره ، وأخفاها ( في خلفا ) ، وسار بها ، فرآها الذين يحفظون الطريق ، فمنعوه من السفر ( اتهاما له ) ، وحملوه إلى المقدم عليهم ، فأطلقه لحرمة العلم .

            فسار إلى أمير من أمراء العرب من بني عامر ، وبلاده متاخمة الأحساء ، وقال له : أنت تملك الأرض ، وقد فعل أجدادك بالحاج كذا وكذا ، وأفعالهم مشهورة ، مذكورة في التواريخ ، وحسن له نهب البصرة ، وأخذها ، فجمع من العرب ما يزيد على عشرة آلاف مقاتل ، وقصد البصرة ، وبها العميد عصمة ، وليس معه من الجند إلا اليسير ، لكون الدنيا آمنة من ذاعر ، ولأن الناس في جنة من هيبة السلطان ، فخرج إليهم في أصحابه ، وحاربهم ، ولم يمكنهم من دخول البلد ، فأتاه من أخبره أن أهل البلد يريدون أن يسلموه إلى العرب ، فخاف ، ففارقهم ، وقصد الجزيرة التي هي مكان القلعة بنهر معقل .

            فلما علم أهل البلد بذلك فارقوا ديارهم وانصرفوا ، ودخل العرب حينئذ البصرة ، وقد قويت نفوسهم ، وملكوها ، ونهبوا ما فيها نهبا شنيعا ، فكانوا ينهبون نهارا ، وأصحاب العميد عصمة ينهبون ليلا ، وأحرقوا مواضع عدة ، وفي جملة ما أحرقوا داران للكتب إحداهما وقفت قبل أيام عضد الدولة ابن بويه ، فقال عضد الدولة : هذه مكرمة سبقنا إليها ، وهي أول دار وقفت في الإسلام . والأخرى وقفها الوزير أبو منصور بن شاه مردان ، وكان بها نفائس الكتب وأعيانها ، وأحرقوا أيضا النحاسين وغيرها من الأماكن .

            وخربت وقوف البصرة التي لم يكن لها نظير ، من جملتها : وقوف على الحمال الدائرة على شاطئ دجلة ، وعلى الدواليب التي تحمل الماء وترقيه إلى قنى الرصاص الجارية إلى المصانع ، وهي على فراسخ من البلد ، وهي من عمل محمد بن سليمان الهاشمي وغيره .

            وكان فعل العرب بالبصرة أول خرق جرى في أيام السلطان ملكشاه . فلما فعلوا ذلك ، وبلغ الخبر إلى بغداذ انحدر سعد الدولة كوهرائين ، وسيف الدولة صدقة بن مزيد إلى البصرة لإصلاح أمورها ، فوجدوا العرب قد فارقوها .

            ثم إن تليا أخذ بالبحرين ، وأرسلوا إلى السلطان ، فشهره ببغداذ سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] على جمل ، وعلى رأسه طرطور ، وهو يصفع بالدرة ، والناس يشتمونه ، ويسبهم ، ثم أمر به فصلب . وحكى طالوت بن عباد: أنه رأى محمد بن سليمان أمير البصرة في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ولولا حوض المربد لهلكت .

            وكان محمد قد ابتدأ بهذا المصنع عند خروجه إلى مكة ، وعاد إلى البصرة ، فاستقبل بمائه فشربه وصلى على جانبه ركعتين شكرا لله تعالى على تمام هذه المصلحة ، فأصبح طالوت ، فعمل مصنعا وقف عليه وقوفا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية