ذكر عدة حوادث
في سنة ست وثمانين وأربعمائة وقعت الفتنة ببغداذ بين العامة ، وقصد كل فريق الفريق الآخر ، وقطعوا الطرقات بالجانب الغربي ، وقتل أهل النصرية مصلحيا ، فأرسل كوهرائين فأحرقها ، واتصلت الفتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة ، وكان للعميد الأغر أبي المحاسن الدهستاني في إطفاء هذه الفتنة أثر حسن .
وفيها ، في شعبان ، سار سيف الدولة صدقة بن مزيد إلى السلطان بركيارق ، فلقيه بنصيبين ، وسار معه إلى بغداذ ، فوصلها في ذي القعدة ومعه وزيره عز الملك بن نظام الملك ، وخرج عميد الدولة والناس إلى لقائه من عقرقوف .
وفيها ولد للمستظهر بالله ولد سمي الفضل ، وكني أبا منصور ، ولقب عمدة الدين ، وهو المسترشد بالله .
وفيها ، في رمضان ، قتل الأمير يلبرد ، قتله بركيارق ، وكان من الأمراء الكبار مع أبيه ، فزاده بركيارق إقطاع كوهرائين ، وشحنكية بغداذ ، فلما وصل إلى دقوقا أعيد منها لأنه تكلم ، فيما يتعلق بوالدة السلطان بركيارق ، بكلام شنيع ، فلما وصل إليه أصبح مقتولا . وفيها وقعت الفتنة بين الروافض والسنة وانتشرت بينهم شرور كثيرة وفيها قدم إلى بغداد رجل يقال له أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي مرجعه من الحج ، فنزل النظامية فوعظ الناس ، وحضر مجلسه الغزالي مدرس المكان وازدحم الناس في مجلس وعظه وكثروا في المجالس بعد ذلك ، وترك كثير من الناس معايشهم ، وكان يحضر مجلسه في بعض الأحيان قريب من ثلاثين ألفا من الرجال والنساء ، وتاب كثير من الناس ولزموا المساجد ، وأريقت الخمور وكسرت الملاهي ، وكان الرجل في نفسه صالحا له عبادات وفيه زهد وافر ، وله أحوال صالحة ، وكان الناس يزدحمون على فضل وضوئه ، وربما أخذوا من البركة التي يتوضأ منها للبركة .
ونقل ابن الجوزي أنه اشتهى مرة على بعض أصحابه توتا شاميا وثلجا ، فطاف البلد بكماله فلم يجده ، فرجع فوجد الشيخ في خلوته ، فسأل : هل جاء اليوم إلى الشيخ أحد؟ فقيل له : جاءت امرأة فقالت : إني غزلت بيدي غزلا وبعته ، وأنا أحب أن أشتري للشيخ طرفة ، فامتنع من ذلك فبكت ، فرحمها وقال : اذهبي فاشتري فقالت : ماذا تشتهي فقال ما شئت فذهبت فأتته بتوت شامي وثلج فأكله .
وقال بعضهم : دخلت عليه وهو يشرب مرقا فقلت في نفسي ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن ، فناولني فضله فقال : اشربها على تلك النية ، قال : فرزقني الله حفظ القرآن وكانت له عبادات ومجاهدات وحدثني أبو منصور الأمين أنه قام إليه رجل ليتوب ، فقال له: قف مكانك ليغسلك ماء المطر . فوقف ، فوقع ماء المطر وأظنه قال: وليس في السماء قزعة . وقال لي أبو منصور: ودخلت يوما عليه فقال لي: يا أبا منصور ، قد اشتهيت أن تعمل لي دعوة فاشتريت الدجاج ، وعقدت الحلوى ، وغرمت أكثر من أربعين دينارا ، فلما تم ذلك جلس يفرقه [و] يقول: احمل هذا إلى الرباط الفلاني وإلى الموضع الفلاني . فلما انتهينا رآني كأني ضيق الصدر؛ إذ لم يتناول منه شيئا ، فغمس إصبعه الصغرى في الحلوى ، وقال: يكفي هذا .
قال وكنت أراصده في الليل ، فربما تقلب طول الليل على الفراش ، ثم قام وقت الفجر فصلى بوضوئه . وكان معه طعام قد جاء به من بلده ، فلم يأكل من غلة بغداد . وحكي لي أن هذا الرجل تكلم في الربا وبيع القراضة بالصحيح ، فمنع من الجلوس ، وأمر بالخروج من البلد فخرج . وفي ذي القعدة دخل السلطان بركياروق بغداد وخرج إليه الوزير أبو منصور بن جهير وهنأه عن الخليفة بالقدوم .
وفيها أخذ المستنصر العبيدي مدينة صور من أرض الشام . ولم يحج فيها أحد من أهل العراق .