الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة ست وثمانين وأربعمائة وقعت الفتنة ببغداذ بين العامة ، وقصد كل فريق الفريق الآخر ، وقطعوا الطرقات بالجانب الغربي ، وقتل أهل النصرية مصلحيا ، فأرسل كوهرائين فأحرقها ، واتصلت الفتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة ، وكان للعميد الأغر أبي المحاسن الدهستاني في إطفاء هذه الفتنة أثر حسن .

            وفيها ، في شعبان ، سار سيف الدولة صدقة بن مزيد إلى السلطان بركيارق ، فلقيه بنصيبين ، وسار معه إلى بغداذ ، فوصلها في ذي القعدة ومعه وزيره عز الملك بن نظام الملك ، وخرج عميد الدولة والناس إلى لقائه من عقرقوف .

            وفيها ولد للمستظهر بالله ولد سمي الفضل ، وكني أبا منصور ، ولقب عمدة الدين ، وهو المسترشد بالله .

            وفيها ، في رمضان ، قتل الأمير يلبرد ، قتله بركيارق ، وكان من الأمراء الكبار مع أبيه ، فزاده بركيارق إقطاع كوهرائين ، وشحنكية بغداذ ، فلما وصل إلى دقوقا أعيد منها لأنه تكلم ، فيما يتعلق بوالدة السلطان بركيارق ، بكلام شنيع ، فلما وصل إليه أصبح مقتولا . وفيها وقعت الفتنة بين الروافض والسنة وانتشرت بينهم شرور كثيرة وفيها قدم إلى بغداد رجل يقال له أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي مرجعه من الحج ، فنزل النظامية فوعظ الناس ، وحضر مجلسه الغزالي مدرس المكان وازدحم الناس في مجلس وعظه وكثروا في المجالس بعد ذلك ، وترك كثير من الناس معايشهم ، وكان يحضر مجلسه في بعض الأحيان قريب من ثلاثين ألفا من الرجال والنساء ، وتاب كثير من الناس ولزموا المساجد ، وأريقت الخمور وكسرت الملاهي ، وكان الرجل في نفسه صالحا له عبادات وفيه زهد وافر ، وله أحوال صالحة ، وكان الناس يزدحمون على فضل وضوئه ، وربما أخذوا من البركة التي يتوضأ منها للبركة .

            ونقل ابن الجوزي أنه اشتهى مرة على بعض أصحابه توتا شاميا وثلجا ، فطاف البلد بكماله فلم يجده ، فرجع فوجد الشيخ في خلوته ، فسأل : هل جاء اليوم إلى الشيخ أحد؟ فقيل له : جاءت امرأة فقالت : إني غزلت بيدي غزلا وبعته ، وأنا أحب أن أشتري للشيخ طرفة ، فامتنع من ذلك فبكت ، فرحمها وقال : اذهبي فاشتري فقالت : ماذا تشتهي فقال ما شئت فذهبت فأتته بتوت شامي وثلج فأكله .

            وقال بعضهم : دخلت عليه وهو يشرب مرقا فقلت في نفسي ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن ، فناولني فضله فقال : اشربها على تلك النية ، قال : فرزقني الله حفظ القرآن وكانت له عبادات ومجاهدات وحدثني أبو منصور الأمين أنه قام إليه رجل ليتوب ، فقال له: قف مكانك ليغسلك ماء المطر . فوقف ، فوقع ماء المطر وأظنه قال: وليس في السماء قزعة . وقال لي أبو منصور: ودخلت يوما عليه فقال لي: يا أبا منصور ، قد اشتهيت أن تعمل لي دعوة فاشتريت الدجاج ، وعقدت الحلوى ، وغرمت أكثر من أربعين دينارا ، فلما تم ذلك جلس يفرقه [و] يقول: احمل هذا إلى الرباط الفلاني وإلى الموضع الفلاني . فلما انتهينا رآني كأني ضيق الصدر؛ إذ لم يتناول منه شيئا ، فغمس إصبعه الصغرى في الحلوى ، وقال: يكفي هذا .

            قال وكنت أراصده في الليل ، فربما تقلب طول الليل على الفراش ، ثم قام وقت الفجر فصلى بوضوئه . وكان معه طعام قد جاء به من بلده ، فلم يأكل من غلة بغداد . وحكي لي أن هذا الرجل تكلم في الربا وبيع القراضة بالصحيح ، فمنع من الجلوس ، وأمر بالخروج من البلد فخرج . وفي ذي القعدة دخل السلطان بركياروق بغداد وخرج إليه الوزير أبو منصور بن جهير وهنأه عن الخليفة بالقدوم .

            وفيها أخذ المستنصر العبيدي مدينة صور من أرض الشام . ولم يحج فيها أحد من أهل العراق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية