الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عزل عميد الدولة من وزارة الخليفة ووفاته  

            لما أطلق مؤيد الدولة ، وزير السلطان محمد ، الأعز أبا المحاسن ، وزير بركيارق ، وضمنه عمادة بغداذ ، أمر أن يخاطب الخليفة بعزل وزيره عميد الدولة بن جهير ، فسار من العسكر ، وسمع عميد الدولة الخبر ، فأمر أصبهبذ صباوة بن خمارتكين بالخروج إلى طريق الأعز وقتله .

            وكان أصبهبذ قد حضر الحرب مع بركيارق ، ولما انهزم العسكر قصد بغداذ ، فخرج إلى طريق الأعز أبي المحاسن ، فلقيه قريبا من بعقوبا ، فأوقع بمن معه ، والتجأ الأعز إلى القرية واحتمى ، فلما رأى أصبهبذ صباوة ذلك أرسل إليه يقول له : إنك وزير السلطان بركيارق ، وأنا مملوكه ، فإن كنت على خدمته فاخرج إلينا حتى نسير إلى بغداذ ونقيم الخطبة للسلطان ، وأنت الصاحب الذي لا يخالف ، وإن لم تجب إلى هذا ، فما بيننا غير السيف . فأجابه الأعز إلى ذلك ، واجتمعا ، فعرفه صباوة الذي أمره به عميد الدولة من قتله ، وباتا تلك الليلة ، وأرسل الأعز إلى الأمير إيلغازي بن أرتق ، وكان قد ورد في صحبته ، وفارقه نحو الراذن ، فحضر في الليل ، فانقطع حينئذ أمل صباوة منه ، وفارقه .

            وسار الأعز إلى بغداذ وخاطب في عزل عميد الدولة ، فعزل في رمضان ، وأخذ من ماله خمسة وعشرين ألف دينار ، وقبض عليه وعلى إخوته ، وبقي معزولا إلى سادس عشر شوال ، فتوفي محبوسا في دار الخلافة ، ومولده في محرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة . وكان حسن التدبير ، كافيا في مهمات الخطوب ، كثير الحلم ، لم يعرف أنه عجل على أحد بمكروه ، وقرأ الأحاديث على المشايخ ، وكان كثير الصدقات ، يجيز العلماء ، ويثابر على صلاتهم ، ولما احتضر القائم أوصى المقتدي بابن جهير ، وخصه بالذكر الجميل ، فقال: يا بني ، قد استوزرت ابن المسلمة ، وابن دارست ، وغيرهما ، فما رأيت مثل ابن جهير .

            وكان عميد الدولة قد خدم ثلاثة خلفاء ، ووزر لاثنين منهم ، تقلد وزارة المقتدي في صفر سنة اثنتين وسبعين فبقي فيها خمس سنين ، ثم عزل بالوزير أبي شجاع ، ثم عاد بعد عزل أبي شجاع في سنة أربع وثمانين ، فلم يزل إلى أن مات المقتدي ، ثم دبر المستظهر التدبير الحسن ثماني سنين وأحد عشر شهرا وأربعة أيام .

            وكان عيبه عند الناس الكبر ، وكانت كلمه معدودة ، فإذا كلم شخصا قام ذلك مقام بلوغ الأمل ، حتى أنه قال يوما لولد أبي نصر بن الصباغ: اشتغل وادأب ، وإلا كنت صباغا بغير أب ، فلما نهض المقول له ذلك من مجلسه هنأه الناس بهذه العناية .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية