الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، في ربيع الأول ، خرج تاج الرؤساء ابن أخت أمين الدولة أبي سعد بن الموصلايا إلى الحلة السيفية ، مستجيرا بسيف الدولة صدقة .

            وسبب ذلك أن الوزير الأعز وزير السلطان بركيارق كان ينسب إليه أنه هو الذي يميل جانب الخليفة إلى السلطان محمد ، فسار خائفا ، واعتزل خاله أمين الدولة الديوان ، وجلس في داره ، فلما قتل الوزير الأعز ، عاد تاج الرؤساء من الحلة إلى بغداذ ، وعاد خاله إلى منصبه .

            وفي ربيع الأول أيضا ورد العميد المهذب أبو المجد ، أخو الوزير الأعز ، إلى بغداذ ، نائبا عن أخيه  ، ظنا منه أن إيلغازي لا يخالفهم ، حيث كان بركيارق ومحمد قد اتفقا ، فقبض عليه إيلغازي ، ولم يتغير عن طاعة محمد .

            وفيها في جمادى الأولى ، ورد إلى بغداذ ابن تكش بن ألب أرسلان ، وكان قد استولى على الموصل ، فخدعه من كان بها ، حتى سار عنها إلى بغداذ ، فلما وصل إليها زوجه إيلغازي بن أرتق ابنته .

            وفيها ، في شهر رمضان ، استوزر الخليفة سديد الملك أبا المعالي بن عبد الرزاق ، ولقب عضد الدين   .

            وفيها ، في صفر ، قتل الربعيون بهيت قاضي البلد أبا علي بن المثنى  ، وكان ورعا ، فقيها ، حنفيا ، من أصحاب القاضي أبي عبد الله الدامغاني ، وكان هذا القاضي على ما جرت به عادة القضاة هناك من الدخول بين القبائل ، فنسبوه في ذلك إلى التحامل عليهم ، فقتله أحدهم ، فندم الباقون على قتله وقد فات الأمر .

            وفيها بنى سيف الدولة صدقة بن مزيد الحلة بالجامعين ، وسكنها ، وإنما كان يسكن هو وآباؤه قبله في البيوت العربية .

            وفي جمادى الأولى قتل المؤيد بن شرف الدولة مسلم بن قريش أمير بني عقيل  ، قتله بنو نمير عند هيت قصاصا . وفي ثالث المحرم قبض على أبي الحسن علي بن محمد المعروف بإلكيا الهراسي  وعزل عن تدريس النظامية وذلك أنه رماه بعضهم عند السلطان بأنه باطني ، فشهد له جماعة من العلماء منهم ابن عقيل ببراءته من ذلك ، وجاءت الرسالة من دار الخلافة بخلاصه . وفي رجب قبل القاضي أبو الحسن الدامغاني شهادة أبي الحسين وأبي خازم ابني القاضي أبي يعلى بن الفراء . وفيها قدم عيسى بن عبد الله الغزنوي ، فوعظ الناس ، وكان شافعيا أشعريا ، فوقعت فتنة بين الحنابلة والأشعرية ببغداد .

            وفيها وقع حريق عظيم ببغداد . وحج بالناس حميد العمري صاحب سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي ، صاحب الحلة . [جلوس المستظهر لمحمد وسنجر]  

            وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم: جلس المستظهر لمحمد وسنجر ، واجتمع أرباب المناصب في التاج ، ونزل كمال الدولة في الزبزب ، وأصعد إلى دار المملكة ، فاستدعاهما فنزلا في الزبزب ، وكان الطيار قد شعث وغاب ، وهو الذي انحدر فيه والدهما جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه إلى دار الخلافة حين جلس له المقتدي بأمر الله ، وانحدر فيه طغرلبك حين جلس له القائم بأمر الله ، وهذا الطيار كان لجلال الدولة أبي طاهر بن بويه ، وأنفق عليه زائدا على عشرة آلاف دينار ، وأهداه للقائم ، وجددت عمارته في سنة سبع وأربعين ، واتسعت في أيام المقتدي ، فجددت عمارته وحط إلى دجلة ، فكان للناس في تلك الأيام من الفرجة بدجلة عجائب ثم هدم .



            فنزلا في الزبزب ، فانحدرا إلى دار الخلافة ومعهما الحشر ، وقد شهروا للسلام ، وقدم لهما مركوبان من مراكب الخليفة وبين يديهما أمراء الأجناد ، وكان على كتف المستظهر البردة المحمدية وفي يده القضيب ، ودخلا فقبلا الأرض فأمر الخليفة كمال الدولة بإفاضة الخلع عليهما ، وعقد الخليفة لواءين بيده ، وكانت الخلع على محمد سيفا وطوقا وسوادا وسيفا ولواء ، وقبل بين يدي السلطان خمسة أرؤس خيلا بمراكب ، أحدها مركب صيني ، وبين يدي الآخر ثلاثة ، فوعظهما الخليفة وأمرهما بالتطاوع ، وقرأ عليهما واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [3: 103] ثم انصرفا . وفي رابع رمضان: استوزر للمستظهر أبو المعالي الأصفهاني ، وعزل في رجب سنة ست وتسعين ، واعتقل في الحبس أحد عشر شهرا ثم أطلق . [القبض على أبي المعالي هبة الله بن المطلب]  

            وفي العشرين من رمضان ، قبض على أبي المعالي هبة الله بن المطلب ، ورتب مكانه أبو منصور نصر بن عبد الله الرجي ، ثم قبض عليه في السنة الآتية ، وأعيد أبو المعالي بن المطلب .

            [وقوع نار بنهر معلى]  

            وفي ذي القعدة: وقعت نار بنهر معلى فأحرقت ما بين درب سرور إلى درب المطبخ طولا وعرضا ، وكان سببها أن بعض الكناسين وضع سراجه في أصل شريجة قصب فأكلها ، فاحترقت أموال عظيمة .

            وفي ذي الحجة بعث كتاب من الخليفة إلى صدقة ، وقد لقب بملك العرب .

            وفي ذي الحجة: قتل رجل امرأة لسيده الذي يخدمه على هدي منه لها ، وذلك أنها ضررته في سيده ، فقتلها وأمكنه أن يهرب فلم يفعل ، ونادى: يا معشر الناس أما فيكم من يقتلني؛ فإني قتلت هذه المرأة ولا عذر لي في مقامي بعدها ، قالوا: إنا نخاف من هذه السكين التي بيدك ، فألقى إليهم السكين ، فحملوه إلى باب النوبي ، فأقر بالقتل فأحضر زوج المرأة معه إلى رحبة الجامع ، فأعطي سيفا فضرب به رأس القاتل وأبانه أذرعا في ضربة واحدة .

            [تعمير صدقة بن منصور الحلة]  

            وفي هذه السنة: عمر صدقة بن منصور الحلة ، وإنما كان ينزل هو وأبوه في البيوت القريبة .



            وفيها جرى لجكرميش -وكان من مماليك جلال الدولة ملك شاه ، ثم صارت الجزيرة والخابور بيده- أن جماعة من السواد أتوه يشكون من عمالهم ، فعمل دعوة اشتملت على ألف رأس من الغنم والبقر وغير ذلك من الدجاج والحلواء ، ولم يحضر الخبز ، ثم دعا وجوه العسكر فعجبوا؛ إذ لم يروا خبزا ، وقالوا: ما السبب في هذا؟ فقال: الخبز إنما يجيء من الزرع ، والزرع إنما يكون بعمارة السواد ، وقد أضررتم بأهل إقطاعكم فاستغلوه الآن أنتم بتحصيل الطعام ، فعملوا بالتوصية وتابوا .

            وفي هذه السنة: عم الرخص كثيرا ببغداد في الطعام وفي الفواكه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية