الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، في ربيع الأول ، أطلق سديد الملك أبو المعالي من الاعتقال  ، وهو الذي كان وزير الخليفة ، ولما أطلق هرب إلى الحلة السيفية ، ومنها إلى السلطان بركيارق ، فولاه الإشراف على ممالكه .

            وفيها توفي أمين الدولة أبو سعد العلاء بن الحسن بن الموصلايا  ، فجأة ، وكان قد أضر ، وكان بليغا فصيحا ، وكان ابتداء خدمته للقائم بأمر الله سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ، خدم الخلفاء خمسا وستين سنة ، كل يوم تزداد منزلته ، حتى تاب عن الوزارة ، وكان نصرانيا ، فأسلم سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وكان كثير الصدقة ، جميل المحضر ، صالح النية ، ووقف أملاكه على أبواب البر ، ومكاتباته مشهورة حسنة ، ولما مات خلع على ابن أخته أبي نصر ، ولقب " نظام الحضرتين " ، وقلد ديوان الإنشاء .

            وفيها كانت ببغداذ بين العامة فتن كثيرة ، وانتشر العيارون .

            وفيها قتل أبو نعيم بن ساوة الطبيب الواسطي  ، وكان من الحذاق في الطب ، وله فيها إصابات حسنة .

            وفيها عزل السلطان سنجر وزيره المجير أبا الفتح الطغرائي  ، وسبب ذلك أن الأمير بزغش ، وهو أصفهسلار العسكر السنجري ، ألقي إليه ملطف فيه : لا يتم لك أمر مع هذا السلطان ، ووقع إلى سنجر ، لا يتم لك أمر مع الأمير بزغش ، مع كثرة جموعه ، فجمع بزغش أصحاب العمائم ، وعرض عليهم الملطفين ، فاتفقوا على كاتب الطغرائي ، وظهرت عليه فقتل ، وقبض سنجر على الطغرائي ، وأراد قتله ، فمنعه بزغش ، وقال له : حق خدمة ، فأبعده إلى غزنة ، وفيها جمع بزغش كثيرا من عساكر خراسان ، وأتاه كثير من المتطوعة ، وسار إلى قتال الإسماعيلية ، فقصد طبس ، وهي لهم ، فخربها وما جاورها من القلاع والقرى ، وأكثر فيهم القتل ، والنهب ، والسبي ، وفعل بهم الأفعال العظيمة ، ثم إن أصحاب سنجر أشاروا بأن يؤمنوا ، ويشرط عليهم أنهم لا يبنون حصنا ، ولا يشترون سلاحا ، ولا يدعون أحدا إلى عقائدهم ، فسخط كثير من الناس هذا الأمان ، وهذا الصلح ، ونقموه على سنجر ، ثم إن بزغش ، بعد عودته من هذه الغزاة ، توفي ، وكانت خاتمة أمره الجهاد ، رحمه الله . وفي هذه السنة سقطت منارة واسط ، وقد كانت من أحسن المنائر ، كان أهل البلد يفتخرون بها وبقبة الحجاج ، فلما سقطت سمع لأهل البلد بكاء وعويل شديد لم يسمع بمثله ، ومع هذا لم يهلك بسببها أحد ، وكان بناؤها في سنة أربع وثلاثمائة في زمن المقتدر . وحج بالناس في هذه السنة الأمير خمارتكين . [ترك الشرطة من الجانب الغربي]

            وفي هذه السنة: كانت الشرطة قد تركت من الجانب الغربي لاستيلاء العيارين عليه ، وكانت الشحن تعجز عن العيارين فلا يقع بأيديهم إلا الضعفاء فيأخذون منهم ، ويحرقون بيوتهم ، فرد إلى النقيبين إلى أبي القاسم باب البصرة ، وجميع محال أهل السنة ، وإلى الرضا الكرخ ورواضعه فانكف الشر ، ثم عاد وتأذى الناس بالشحنة ، وكان قد عول على النهب فاجتمع الناس إلى الديوان شاكين ، فقرر مع النقيبين تقسيط ألفي دينار ومائتي دينار ، منها على الكرخ خمسمائة ، والباقي على سائر المحال ، فأهلك ذلك الضعفاء ، وقرر على أهل التوثة أربعون دينارا ، فأسقط عنهم النقيب عشرة ، فلم يقدروا على أداء الباقي ، فقصدوا الأماكن يستجبون الناس ، فدخلوا على ابن الشيرازي البيع ، فتصدق عليهم بدينار ، وكانوا أهل قرآن وتدين وصلاح . وفي هذه السنة: أخرج أبو المؤيد عيسى بن عبد الله الغزنوي الواعظ من بغداد لغلبته على قلوب الناس ، وتوفي بأسفرايين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية