الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            وفاة السلطان بركيارق  

            في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، ثاني شهر ربيع الآخر ، توفي السلطان بركيارق بن ملكشاه ، وكان قد مرض بأصبهان بالسل ، والبواسير ، فسار منها في محفة طالبا بغداذ ، فلما وصل إلى بروجرد ضعف عن الحركة ، فأقام بها أربعين يوما ، فاشتد مرضه ، فلما أيس من نفسه خلع على ولده ملكشاه ، وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر ، وخلع على الأمير إياز ، وأحضر جماعة من الأمراء ، وأعلمهم أنه قد جعل ابنه ولي عهده في السلطنة ، وجعل الأمير إياز أتابكه ، وأمرهم بالطاعة لهما ، ومساعدتهما على حفظ السلطنة لولده ، والذب عنها ، فأجابوا كلهم بالسمع والطاعة لهما ، وبذل النفوس والأموال في حفظ ولده وسلطنته عليه ، واستحلفهم على ذلك ، فحلفوا ، وأمرهم بالمسير إلى بغداذ ، فساروا ، فلما كانوا على اثني عشر فرسخا من بروجرد وصلهم خبر وفاته ، وكان بركيارق قد تخلف على عزم العود إلى أصبهان فعاجلته منيته .

            فلما سمع الأمير إياز بموته أمر وزيره الخطير المبيذي وغيره بأن يسيروا مع تابوته إلى أصبهان ، فحمل إليها ، ودفن في تربة جددتها له سريته ، ثم ماتت بعد أيام ، فدفنت بإزائه ، وأحضر إياز السرادقات ، والخيام ، والجتر ، والشمسة ، وجميع ما يحتاج إليه السلطان ، فجعله برسم ولده ملكشاه . عمره وشيء من سيرته  

            لما توفي بركيارق كان عمره خمسا وعشرين سنة ، ومدة وقوع اسم السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهر ، وقاسى من الحروب واختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد ، واختلفت به الأحوال بين رخاء وشدة ، وملك وزواله ، وأشرف في عدة نوب بعد إسلام النعمة على ذهاب المهجة .

            ولما قوي أمره في هذا الوقت وأطاعه المخالفون ، وانقادوا له ، أدركته منيته ، ولم يهزم في حروبه غير مرة واحدة ، وكان أمراؤه قد طمعوا فيه للاختلاف الواقع ، حتى إنهم كانوا يطلبون نوابه ليقتلوهم ، فلا يمكنه الدفع عنهم ، وكان متى خطب له ببغداذ وقع الغلاء ، ووقفت المعايش والمكاسب ، وكان أهلها مع ذلك يحبونه ، ويختارون سلطانه .

            وقد ذكرنا من تغلب الأحوال به ما وقفت عليه ، ومن أعجبها دخوله أصبهان هاربا من عمه تتش ، فمكنه عسكر أخيه محمود صاحبها من دخولها ليقبضوا عليه ، فاتفق أن أخاه محمودا مات ، فاضطروا إلى أن يملكوه ، وهذا من أحسن الفرج بعد الشدة .

            وكان حليما ، كريما ، صبورا ، عاقلا ، كثير المداراة ، حسن القدرة ، لا يبالغ في العقوبة ، وكان عفوه أكثر من عقوبته .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية