الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة تسع وتسعين وأربعمائة ورد إلى بغداذ إنسان من الملثمين ، ملوك الغرب ، قاصدا إلى دار الخلافة ، فأكرم ، وكان معه إنسان يقال له الفقيه ، من الملثمين أيضا ، فوعظه الفقيه في جامع القصر ، واجتمع له العالم العظيم ، وكان يعظ وهو متلثم لا يظهر منه غير عينيه ، وكان هذا الملثم قد حضر مع ابن الأفضل ، أمير الجيوش ، وقعته مع الفرنج ، وأبلى بلاء حسنا .

            وكان سبب مجيئه إلى بغداذ : أن المغاربة يعتقدون في العلويين ، أصحاب مصر ، الاعتقاد القبيح ، فكانوا ، إذا أرادوا الحج ، يعدلون عن مصر وكان أمير الجيوش بدر والد الأفضل أراد إصلاحهم ، فلم يميلوا إليه ، ولا قاربوه . فأمر بقتل من ظفر به منهم ، فلما وصل ابنه الأفضل أحسن إليهم ، واستعان بمن قاربه منهم على حرب الفرنج ، وكان هذا من جملة من قاتل معه ، فلما خالط المصريين خاف العود إلى بلاده ، فقدم بغداذ ، ثم عاد إلى دمشق ، ولم يكن للمصريين حرب مع الفرنج إلا وشهدها ، فقتل في بعضها شهيدا ، وكان شجاعا فتاكا مقداما .

            وفيها ، في ربيع الآخر ، ظهر كوكب في السماء له ذؤابة ، كقوس قزح ، آخذة من المغرب إلى وسط السماء ، وكان يرى قريبا من الشمس قبل ظهوره ليلا ، وبقي يظهر عدة ليال ، ثم غاب .

            وفيها وصل الملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ، صاحب بلاد الروم ، إلى الرها ليحصرها ، وبها الفرنج ، فراسله أصحاب جكرمش المقيمون بحران ليسلموها إليه ، فسار إليهم وتسلم البلد ، وفرح به الناس لأجل جهاد الفرنج ، فأقام بحران أياما ، ومرض مرضا شديدا ، أوجب عوده إلى ملطية ، فعاد مريضا ، وبقي أصحابه بحران . وفي النصف من رجب وهو نصف شباط: توالت الغيوم ، وزادت دجلة حتى قيل: إنها زادت على سنة الغرق .

            [هلاك الغلات]

            وهلكت في هذه السنة الغلات ، وخربت دور كثيرة ، وانزعج الخلق ، فلما أهل رمضان نقص الماء ، وقدر في هذه الزيادة أمر عجيب ، وذلك أن نقيب النقباء أبو القاسم الزينبي أشرفت داره بباب المراتب على الغرق ، فأقام سميريات ليصعد فيها إلى باب البصرة ، فتقدمت منهن سفينة فيها تسع جوار لهن أثمان ومعهن صبية أراد أهلها زفافها في هذه الليلة على زوجها ، فأشفقوا فيها على الغرق فحملوها معهن ، فلما وصلت السفينة مشرعة الرباط غرقت بمن فيها ، فأمسك النقيب من الإصعاد ، وتسلى بمن بقي عمن مضى ، وأقامت أم الصبية عليها المأتم . وحج بالناس في هذه السنة من العراق رجل من قرائب الأمير سيف الدولة صدقة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية