في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة سادس عشر شهر ربيع الآخر ، توفي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله ، وكان مرضه التراقي ، وكان عمره إحدى وأربعين سنة وستة أشهر وستة أيام ، وخلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما ، ووزر له عميد الدولة أبو منصور بن جهير ، وسديد الملك أبو المعالي المفضل بن عبد الرزاق الأصبهاني ، وزعيم الرؤساء أبو القاسم بن جهير ، ومجد الدين أبو المعالي هبة الله بن عبد المطلب ، ونظام الدين أبو منصور الحسين بن محمد ، وناب عن الوزارة أمين الدولة أبو سعد بن الموصلايا ، وقاضي القضاة أبو الحسن علي بن الدامغاني ، ومضى ، في أيام ، ثلاثة سلاطين خطب لهم بالحضرة ، وهم : تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، والسلطان بركيارق ومحمد ابنا ملكشاه .
ومن غريب الاتفاق أنه لما توفي السلطان ألب أرسلان توفي بعده القائم بأمر الله ، ولما توفي السلطان ملكشاه توفي بعده المقتدي بأمر الله ، ولما توفي السلطان محمد توفي بعده المستظهر بالله . وقد ولي غسله ابن عقيل وابن السني ، وبرز تابوت المستظهر يوم بيعة المسترشد بين الصلاتين فصلى عليه المسترشد ، وكبر أربع تكبيرات ، وجلس قاضي القضاة للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام بعض أخلاقه وسيرته
كان ، رضي الله عنه ، لين الجانب ، كريم الأخلاق ، يحب اصطناع الناس ، ويفعل الخير ، ويسارع إلى أعمال البر والمثوبات ، مشكور المساعي لا يرد مكرمة تطلب منه .
وكان كثير الوثوق بمن يوليه ، غير مصغ إلى ساع ، ولا ملتفت إلى قوله ، ولم يعرف منه تلون ، وانحلال عزم ، بأقوال أصحاب الأغراض .
وكانت أيامه أيام سرور للرعية ، فكأنها من حسنها أعياد ، وكان إذا بلغه ذلك فرح به وسره ، وإذا تعرض سلطان أو نائب له لأذى أحد بالغ في إنكار ذلك والزجر عنه .
وكان حسن الخط ، جيد التوقيعات ، لا يقاربه فيها أحد ، يدل على فضل غزير ، وعلم واسع ، ولما توفي صلى عليه ابنه المسترشد بالله ، وكبر أربعا ، ودفن في حجرة له كان يألفها . ومن شعره قوله :
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا لما مددت إلى رسم الوداع يدا وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد أرى
طرائق في مهوى الهوى قددا قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به من
بعد ما قد وفى دهري بما وعدا إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي
من بعد هذا ، فلا عاينته أبدا
أصبحت بالمستظهر بن المقتدي بالله ابن القائم ابن القادر
مستعصما أرجو نوال أكفه وبأن يكون على العشيرة ناصري
فيقر مع كبري قراري عنده ويفوز من مدحي بشعر سائر
وقال السلفي: (قال لي أبو الخطاب بن الجراح: صليت بالمستظهر في رمضان، فقرأت: {إن ابنك سرق} رواية رويناها عن الكسائي، فلما سلمت، قال: هذه قراءة حسنة; فيها تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب).