وفاة ملك الفرنج وما كان بين الفرنج وبين المسلمين
في ذي الحجة من سنة إحدى عشرة وخمسمائة توفي بغدوين ملك القدس وكان قد سار إلى ديار مصر في جمع الفرنج ، قاصدا ملكها والتغلب عليها وقوي طمعه في الديار المصرية ، وبلغ مقابل تنيس ، وسبح في النيل ، فانتقض جرح كان به ، فلما أحس بالموت عاد إلى القدس ، فمات ، ووصى ببلاده للقمص صاحب الرها ، وهو الذي كان أسره جكرمش ، وأطلقه جاولي سقاوو ، واتفق أن هذا القمص كان قد سار إلى القدس يزور بيعة قمامة ، فلما وصى إليه بالملك قبله ، واجتمع له القدس والرها .
وكان أتابك طغتكين قد سار عن دمشق لقتال الفرنج ، فنزل بين دير أيوب وكفر بصل باليرموك ، فخفيت عنه وفاة بغدوين ، حتى سمع الخبر بعد ثمانية عشر يوما ، وبينهم نحو يومين ، فأتته رسل ملك الفرنج يطلب المهادنة ، فاقترح عليه طغتكين ترك المناصفة التي بينهم من جبل عوف ، والحنانة ، والصلت ، والغور ، فلم يجب إلى ذلك ، وأظهر القوة ، فسار طغتكين إلى طبرية فنهبها وما حولها ، وسار منها نحو عسقلان .
وكانت للمصريين وبها عساكرهم ، وكانوا قد سيروها لما عاد ملك القدس المتوفى عن مصر ، وكانوا سبعة آلاف فارس ، فاجتمع بهم طغتكين ، وأعلمه المقدم عليهم أن صاحبهم تقدم إليه بالوقوف عند رأي طغتكين ، والتصرف على ما يحكم به ، فأقاموا بعسقلان نحو شهرين ، ولم يؤثروا في الفرنج أثرا ، فعاد طغتكين إلى دمشق ، فأتاه الصريخ بأن مائة وثلاثين فارسا من الفرنج أخذوا حصنا من أعماله يعرف بالحبس ، يعرف بحصن جلدك ، سلمه إليهم المستحفظ به وقصدوا أذرعات فنهبوها ، فأرسل إليهم تاج الملوك بوري بن طغتكين ، فانحازوا عنه إلى جبل هناك ، فنازلهم ، فأتاه أبوه ونهاه عنهم ، فلم يفعل وطمع فيهم فلما أيس الفرنج قاتلوا قتال مستقتل ، فنزلوا من الجبل وحملوا على المسلمين حملة صادقة هزموهم بها ، وأسروا وقتلوا خلقا كثيرا ، وعاد الفل إلى دمشق على أسوأ حال .
فسار طغتكين إلى حلب ، وبها إيلغازي ، فاستنجده ، وطلب منه التعاضد على الفرنج ، فوعده بالمسير معه ، فبينما هو بحلب أتاه الخبر بأن الفرنج قصدوا حوران من أعمال دمشق ، فنهبوا وقتلوا وسبوا وعادوا ، فاتفق رأي طغتكين وإيلغازي على عود طغتكين إلى دمشق ، وحماية بلاده ، وعود إيلغازي إلى ماردين ، وجمع العساكر ، والاجتماع على حرب الفرنج فصالح إيلغازي من يليه من الفرنج على ما تقدم ذكره ، وعبر إلى ماردين لجمع العساكر ، وكان ما نذكره سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، إن شاء الله تعالى .