في هذه السنة أمر السلطان بإعادة مجاهد الدين بهروز شحنكية العراق ، كان نائب دبيس بن صدقة ، فعزل عنها . وفيها ، في ربيع الأول ، توفي الوزير ربيب الدولة ، وزير السلطان محمود ، ووزر بعده الكمال السميرمي ، وكان ولد ربيب الدولة ، وزير المسترشد فعزل ، واستعمل بعده عميد الدوله أبو علي بن صدقة ، ولقب جلال الدين ، وهذا الوزير هو عم الوزير جلال الدين أبي الرضا صدقة ، الذي وزر للراشد ، والأتابك زنكي . وفيها ظهر قبر إبراهيم الخليل ، وقبرا ولديه إسحاق ويعقوب ، عليهم السلام ، بالقرب من البيت المقدس ، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم ، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة ، هكذا ذكره حمزة بن أسد التميمي في تاريخه ، والله أعلم . وفيها هدم تاج الخليفة على دجلة للخوف من انهدامه ، هذا التاج بناه أمير المؤمنين المكتفي بعد سنة تسعين ومائتين . وفيها تأخر الحج ، فاستغاث الناس ، وأرادوا كسر المنبر بجامع القصر فأرسل الخليفة إلى دبيس بن صدقة ليساعد الأمير نظر على تسيير الحجاج ، فأجاب إلى ذلك ، وكان خروجهم من بغداذ ثاني عشر ذي القعدة ، وتوالت عليهم الأمطار إلى الكوفة . وفيها أرسل دبيس بن صدقة القاضي أبا جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي ، قاضي الكوفة ، إلى إيلغازي بن أرتق بماردين ، يخطب ابنته ، فزوجها منه إيلغازي ، وحملها الثقفي معه إلى الحلة ، واجتاز بالموصل . وظهر في هذا الشهر جمادى الأولى غيم عظيم ، وكثر الضجيج والاستغاثة حتى ارتج البلد . وورد كتب من سنجر فيها إقطاع للخليفة بخمسين ألف دينار ، وللوزير بعشرة آلاف ، ورد إلى الوزير العمارة والشحنكية ووزارة خاتون . وفي شعبان وجاء مطر شديد ، وهبت ريح قوية أظلمت معها السماء ، وصل ابن الطبري بتوقيع من السلطان بتدريس النظامية .
وعلى استقبال شوال بدئ بالبناء في التاج ، وفي العشرين من شوال وصل القاضي الهروي وتلقاه الوزير بالمهد واللواء ومعه حاجب الباب والنقيبان وقاضي القضاة والجماعة ، وحمل على فرس من الخاص ، ونزل باب النوبي ، وقبل الأرض ، ثم حضر في اليوم الثالث والعشرين فوصل إلى المسترشد فأوصل له كتبا ، وحمل من سنجر ثلاثين تختا من الثياب ، وعشرة مماليك وهدايا كثيرة . وفي العشر الأوسط من ذي الحجة: اعتمد أبو الحسين أحمد بن قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني إلى امرأة فأشهد عليها بجملة من المال دينا له عليها ، وقال: هذه أختي زوجة ابن يعيش ، وشهد عليهما شاهدان الأرموي والمنبجي ، فلما علمت أخته وزوجها أنكرا ذلك وشكيا إلى المسترشد [فكشفت الحال] فقال: إني أخطأت في اسمها ، وإنما هي أختي الصغرى فأبدل اسم باسم ، فوافقه على ذلك المنبجي ، وأما الأرموي فقال: ما شهدت إلا على الكبرى ، وكشط من الكتاب الكبرى ، وكتب اسم الصغرى ، فصعب هذا عند الخليفة ، وتقدم في حقه بالعظائم ، واختفى أبو الحسين فحضر أخوه تاج القضاة عند شيخ الشيوخ إسماعيل ، وأحضر كتابا فيه إقرار بنت الزينبي [زوجة] الوزير عميد الدولة [بن صدقة] لأخيها قاضي القضاة الأكمل بجملة كبيرة من المال إما ثلاثة آلاف أو نحوها وفيه خطوط اثني عشر شاهدا ، وأنه ثبت على قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني أنه زور على أخته . وظهر هذا للشهود حتى رجعوا عن الشهادة ، فإن كان أخي قد أخطأ ومعه شاهد واحد وخالفه شاهد واحد فهذا قاضي القضاة اليوم يكذبه اثنا عشر شاهدا ، فكتب شيخ الشيوخ إلى الخليفة بالحال ، فخرج التوقيع بالسكوت عن القصتين جميعا ، ذكر هذا شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني في تاريخه . وفي هذه السنة: وسد الباب وأبقي منه موضع تصل منه الحوائج ثم أحضره ، وقال له: قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك وأنك قد عزمت على الهرب مرة أخرى ، وجرى بينهما خطاب طويل وحلف أنه لم يفعل ، وتنصل ثم أعيد إلى موضعه على التضييق . شدد التضييق على الأمير أبي الحسن والذي في مشهد الحسين ، وقال: لا تقام ها هنا جمعة ولا يخطب لأحد . وورد الخبر بأن دبيس بن مزيد كسر المنبر الذي في مشهد علي عليه السلام