الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة أمر السلطان بإعادة مجاهد الدين بهروز شحنكية العراق ، كان نائب دبيس بن صدقة ، فعزل عنها . وفيها ، في ربيع الأول ، توفي الوزير ربيب الدولة ، وزير السلطان محمود ، ووزر بعده الكمال السميرمي ، وكان ولد ربيب الدولة ، وزير المسترشد فعزل ، واستعمل بعده عميد الدوله أبو علي بن صدقة ، ولقب جلال الدين ، وهذا الوزير هو عم الوزير جلال الدين أبي الرضا صدقة ، الذي وزر للراشد ، والأتابك زنكي . وفيها ظهر قبر إبراهيم الخليل ، وقبرا ولديه إسحاق ويعقوب ، عليهم السلام ، بالقرب من البيت المقدس ، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم ، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة ، هكذا ذكره حمزة بن أسد التميمي في تاريخه ، والله أعلم . وفيها هدم تاج الخليفة على دجلة للخوف من انهدامه ، هذا التاج بناه أمير المؤمنين المكتفي بعد سنة تسعين ومائتين . وفيها تأخر الحج ، فاستغاث الناس ، وأرادوا كسر المنبر بجامع القصر فأرسل الخليفة إلى دبيس بن صدقة ليساعد الأمير نظر على تسيير الحجاج ، فأجاب إلى ذلك ، وكان خروجهم من بغداذ ثاني عشر ذي القعدة ، وتوالت عليهم الأمطار إلى الكوفة . وفيها أرسل دبيس بن صدقة القاضي أبا جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي ، قاضي الكوفة ، إلى إيلغازي بن أرتق بماردين ، يخطب ابنته ، فزوجها منه إيلغازي ، وحملها الثقفي معه إلى الحلة ، واجتاز بالموصل . وظهر في هذا الشهر جمادى الأولى غيم عظيم ، وجاء مطر شديد ، وهبت ريح قوية أظلمت معها السماء ،  وكثر الضجيج والاستغاثة حتى ارتج البلد . وورد كتب من سنجر فيها إقطاع للخليفة بخمسين ألف دينار ، وللوزير بعشرة آلاف ، ورد إلى الوزير العمارة والشحنكية ووزارة خاتون . وفي شعبان وصل ابن الطبري بتوقيع من السلطان بتدريس النظامية .  

            وعلى استقبال شوال بدئ بالبناء في التاج ، وفي العشرين من شوال وصل القاضي الهروي وتلقاه الوزير بالمهد واللواء ومعه حاجب الباب والنقيبان وقاضي القضاة والجماعة ، وحمل على فرس من الخاص ، ونزل باب النوبي ، وقبل الأرض ، ثم حضر في اليوم الثالث والعشرين فوصل إلى المسترشد فأوصل له كتبا ، وحمل من سنجر ثلاثين تختا من الثياب ، وعشرة مماليك وهدايا كثيرة . وفي العشر الأوسط من ذي الحجة: اعتمد أبو الحسين أحمد بن قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني إلى امرأة فأشهد عليها بجملة من المال دينا له عليها ، وقال: هذه أختي زوجة ابن يعيش ، وشهد عليهما شاهدان الأرموي والمنبجي ، فلما علمت أخته وزوجها أنكرا ذلك وشكيا إلى المسترشد [فكشفت الحال] فقال: إني أخطأت في اسمها ، وإنما هي أختي الصغرى فأبدل اسم باسم ، فوافقه على ذلك المنبجي ، وأما الأرموي فقال: ما شهدت إلا على الكبرى ، وكشط من الكتاب الكبرى ، وكتب اسم الصغرى ، فصعب هذا عند الخليفة ، وتقدم في حقه بالعظائم ، واختفى أبو الحسين فحضر أخوه تاج القضاة عند شيخ الشيوخ إسماعيل ، وأحضر كتابا فيه إقرار بنت الزينبي [زوجة] الوزير عميد الدولة [بن صدقة] لأخيها قاضي القضاة الأكمل بجملة كبيرة من المال إما ثلاثة آلاف أو نحوها وفيه خطوط اثني عشر شاهدا ، وأنه ثبت على قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني أنه زور على أخته . وظهر هذا للشهود حتى رجعوا عن الشهادة ، فإن كان أخي قد أخطأ ومعه شاهد واحد وخالفه شاهد واحد فهذا قاضي القضاة اليوم يكذبه اثنا عشر شاهدا ، فكتب شيخ الشيوخ إلى الخليفة بالحال ، فخرج التوقيع بالسكوت عن القصتين جميعا ، ذكر هذا شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني في تاريخه . وفي هذه السنة: شدد التضييق على الأمير أبي الحسن  وسد الباب وأبقي منه موضع تصل منه الحوائج ثم أحضره ، وقال له: قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك وأنك قد عزمت على الهرب مرة أخرى ، وجرى بينهما خطاب طويل وحلف أنه لم يفعل ، وتنصل ثم أعيد إلى موضعه على التضييق . وورد الخبر بأن دبيس بن مزيد كسر المنبر الذي في مشهد علي عليه السلام  والذي في مشهد الحسين ، وقال: لا تقام ها هنا جمعة ولا يخطب لأحد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية