وفيها ، في جمادى الأولى ، أوقع أتابك طغتكين بطائفة من الفرنج ، فقتل منهم وأسر وأرسل من الأسرى والغنيمة للسلطان وللخليفة . تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام
وفيها تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام ، زاده الله شرفا ، من زلزلة ، وانهدم بعضه ، وتشعث بعض حرم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وتشعث غيرها من البلاد ، وكان بالموصل كثير منها . احتراق دار السلطان
وفيها احترقت دار السلطان ، كان قد بناها مجاهد الدين بهروز للسلطان محمد ، ففرغت قبل وفاته بيسير ، فلما كان الآن احترقت .
وسبب الحريق أن جارية كانت تخضبت ليلا ، فأسندت شمعة إلى الخيش فاحترق ، وعلقت النار منه في الدار ، واحترق فيها من زوجة السلطان محمود بنت السلطان سنجر ما لا حد له من الجواهر ، والحلى ، والفرش ، والثياب ، وأقيم الغسالون يخلصون الذهب ، وما أمكن تخليصه ، وكان الجوهر جميعه قد هلك إلا الياقوت الأحمر .
وترك السلطان الدار لم تجدد عمارتها ، وتطير منها ، لأن أباه لم يتمتع بها ، ثم احترق فيها من أموالهم الشيء العظيم ، واحترق قبلها بأسبوع جامع أصبهان ، وهو من أعظم الجوامع وأحسنها ، أحرقه قوم من الباطنية ليلا وكان السلطان قد عزم على أخذ حق البيع ، وتجديد المكوس بالعراق ، بإشارة الوزير السميرمي عليه بذلك ، فتجدد من هذين الحريقين ما هاله ، واتعظ فأعرض عنه . وفيها ، في ربيع الآخر ، انقض كوكب عشاء ، وصار له نور عظيم ، وتفرق منه أعمدة عند انقضاضه ، وسمع عند ذلك صوت هدة عظيمة كالزلزلة .
وفيها ظهر بمكة إنسان علوي ، وأمر بالمعروف ، فكثر جمعه ، ونازع أمير مكة ابن أبي هاشم ، وقوي أمره ، وعزم على أن يخطب لنفسه ، فعاد ابن أبي هاشم وظفر به ، ونفاه عن الحجاز إلى البحرين ، وكان هذا العلوي من فقهاء النظامية ببغداذ . وفيها ألزم السلطان أهل الذمة ببغداذ بالغيار ، فجرى فيه مراجعات انتهت إلى أن قرر عليهم للسلطان عشرون ألف دينار ، وللخليفة أربعة آلاف دينار . وفيها حضر السلطان محمود وأخوه الملك مسعود عند الخليفة ، فخلع عليهما ، وعلى جماعة من أصحاب السلطان ، منهم : وزيره أبو طالب السميرمي ، وشمس الملك عثمان بن نظام ، والوزير أبو نصر أحمد بن محمد بن حامد المستوفي ، وعلى غيرهم من الأمراء . وفيها ، في ذي القعدة ، وهو الحادي والعشرون من كانون الثاني ، سقط بالعراق جميعه من البصرة إلى تكريت ثلج كثير ، وبقي على الأرض خمسة عشر يوما ، وسمكه ذراع وهلكت أشجار النارنج ، والأترج ، والليمون ، فقال فيه بعض الشعراء :
يا صدور الزمان ليس بوفر ما رأيناه في نواحي العراق إنما عم ظلمكم سائر الخلق
، فشابت ذوائب الآفاق
أن فورد الخبر إليه بوفاة جدته أم أبيه ، فعاد عن متصيده وجلس للعزاء بها في حجرة من دار المملكة هو وخواصه ، وجلس وزيره أبو طالب علي بن أحمد وكافة أرباب الدولة وأعيان العسكر في صحن الدار ، وحضر عندهم الوزير أبو علي بن صدقة والموكب في الأيام الثلاثة بثياب العزاء ، ونصب كرسي للوعظ ، فتكلم عليه أبو سعد إسماعيل بن أحمد ، وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي إلى الطوسيان ، وجاء ابن صدقة في اليوم الرابع ومعه الموكب لإقامة السلطان من العزاء وإفاضة الخلع عليه ، ففعل ذلك وعزم السلطان محمود على الخروج من بغداد فقيل له: من دار الخلافة ينبغي أن تقيم في هذا الصيف عندنا ، وكان ذلك من خوف سيف الدولة ، فقال : إن معي هذه العساكر ، فقيل له: إنا لا نترك غاية فيما يعود إلى الإقامة ، واستقر أن يزيحوا العلة في نفقة أربعة أشهر ، ففرغت خزائن الوكلاء ، واستقر أن يؤخذ من دور الحريم ودكاكينه ومساكنه أجرة شهر ، فكتبت بذلك الجرائد ، ورتب لذلك الكتاب والمشرف والجهبذ ، وجبي من ذلك مبلغ وافر في مدة ثلاثة أيام ، فكثرت الشكايات ، فنودي برفع ذلك وإعادة ما جبى على أربابه ، والتفت إلى الاستقراض من ذوي الأموال . وفي صفر: وجد مقتولا بالمختارة ، فجاء أصحاب الشحنة فكبسوا المحلة وطلبوا الحامي ، فهرب فجاء نائب الشحنة إلى باب العامة بالعدد الكثيرة والسلاح الظاهر ، وتوكل بدار ابن صدقة الوزير ووكل به عشرة ، وبدار ابن طلحة صاحب المخزن ، وبدار حاجب الباب ابن الصاحب ، وقال: أنا أطالبكم بجناية المقتول . وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الأول: استدعي علي بن طراد النقيب بحاجب من الديوان ، فلما حضر قرأ عليه الوزير ابن صدقة توقيعا مضمونه: قد استغني عن خدمتك ، فمضى وأغلق بابه وكانت ابنته متصلة بالأمير أبي عبد الله بن المستظهر وهو المقتفي ، فكان الوزير ابن صدقة يتقرب منه ولا يباسطه في دار الخلافة ، فلما كان يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول انحدر الوزير أبو طالب السمري متفرجا ، فلما حاذى باب الأزج عبر إليه علي بن طراد وذكر له الحال فوعده ثم خاطبه في حقه فرضي عنه ، وأعيد إلى النقابة في ثاني ربيع الآخر . وفي ليلة النصف من ربيع الأول السلطان محمودا خرج من بغداد متصيدا ، وركب إلى داره بقراح بن رزين ، ومعه كافة الأمراء ، ونفذ أمره في القضاء بجميع الممالك سوى العراق مراعاة لقاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لما يعلم من ميل المسترشد إليه ، وخرج الهروي في هذا الشهر إلى سنجر برسالة من المسترشد ومن السلطان محمود وأصحب تشريفات وحملانا ، وسار في تجمل كثير . وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى: صرف كاتب ديوان الزمام عنه ، وهو شمس الدولة أبو الحسن علي بن هبة الله بن الزوال ، ووقع بذلك بالنظر في ديوان الزمام مضافا إلى ديوان الإنشاء . وفي شعبان منها جلس الخليفة المسترشد في دار الخلافة في أبهة الخلافة ; البردة على كتفيه والقضيب بين يديه وجاء الأخوان الملكان محمود ومسعود فوقفا بين يديه ، وقبلا الأرض ، فخلع على محمود سبع خلع وطوقا وسوارين وتاجا ، وأجلس على كرسي ، ووعظه الخليفة وتلا عليه قوله تعالى خلع في دار السلطان على القاضي أبي سعد الهروي ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] وأمره بالإحسان إلى الرعايا ، وعقد له الخليفة لواءين بيده ، وقلده الملك ، وخرجا من بين يديه مطاعين معظمين ، والجيش بين أيديهما إلى دارهما في أبهة عظيمة جدا . وحج بالناس نظر الخادم .