الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قتل وأسر طائفة من الفرنج .

            وفيها ، في جمادى الأولى ، أوقع أتابك طغتكين بطائفة من الفرنج ، فقتل منهم وأسر وأرسل من الأسرى والغنيمة للسلطان وللخليفة . تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام

            وفيها تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام ، زاده الله شرفا ، من زلزلة ، وانهدم بعضه ، وتشعث بعض حرم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وتشعث غيرها من البلاد ، وكان بالموصل كثير منها . احتراق دار السلطان

            وفيها احترقت دار السلطان ، كان قد بناها مجاهد الدين بهروز للسلطان محمد ، ففرغت قبل وفاته بيسير ، فلما كان الآن احترقت .

            وسبب الحريق أن جارية كانت تخضبت ليلا ، فأسندت شمعة إلى الخيش فاحترق ، وعلقت النار منه في الدار ، واحترق فيها من زوجة السلطان محمود بنت السلطان سنجر ما لا حد له من الجواهر ، والحلى ، والفرش ، والثياب ، وأقيم الغسالون يخلصون الذهب ، وما أمكن تخليصه ، وكان الجوهر جميعه قد هلك إلا الياقوت الأحمر .

            وترك السلطان الدار لم تجدد عمارتها ، وتطير منها ، لأن أباه لم يتمتع بها ، ثم احترق فيها من أموالهم الشيء العظيم ، واحترق قبلها بأسبوع جامع أصبهان ، وهو من أعظم الجوامع وأحسنها ، أحرقه قوم من الباطنية ليلا وكان السلطان قد عزم على أخذ حق البيع ، وتجديد المكوس بالعراق ، بإشارة الوزير السميرمي عليه بذلك ، فتجدد من هذين الحريقين ما هاله ، واتعظ فأعرض عنه . وفيها ، في ربيع الآخر ، انقض كوكب عشاء ، وصار له نور عظيم ، وتفرق منه أعمدة عند انقضاضه ، وسمع عند ذلك صوت هدة عظيمة كالزلزلة .

            وفيها ظهر بمكة إنسان علوي ، وأمر بالمعروف ، فكثر جمعه ، ونازع أمير مكة ابن أبي هاشم ، وقوي أمره ، وعزم على أن يخطب لنفسه ، فعاد ابن أبي هاشم وظفر به ، ونفاه عن الحجاز إلى البحرين ، وكان هذا العلوي من فقهاء النظامية ببغداذ . وفيها ألزم السلطان أهل الذمة ببغداذ بالغيار ، فجرى فيه مراجعات انتهت إلى أن قرر عليهم للسلطان عشرون ألف دينار ، وللخليفة أربعة آلاف دينار . وفيها حضر السلطان محمود وأخوه الملك مسعود عند الخليفة ، فخلع عليهما ، وعلى جماعة من أصحاب السلطان ، منهم : وزيره أبو طالب السميرمي ، وشمس الملك عثمان بن نظام ، والوزير أبو نصر أحمد بن محمد بن حامد المستوفي ، وعلى غيرهم من الأمراء . وفيها ، في ذي القعدة ، وهو الحادي والعشرون من كانون الثاني ، سقط بالعراق جميعه من البصرة إلى تكريت ثلج كثير ، وبقي على الأرض خمسة عشر يوما ، وسمكه ذراع وهلكت أشجار النارنج ، والأترج ، والليمون ، فقال فيه بعض الشعراء :


            يا صدور الزمان ليس بوفر ما رأيناه في نواحي العراق     إنما عم ظلمكم سائر الخلق
            ، فشابت ذوائب الآفاق

            وفيها هبت بمصر ريح سوداء ثلاثة أيام ، فأهلكت كثيرا من الناس وغيرهم من الحيوانات . ومن الحوادث فيها:

            أن السلطان محمودا خرج من بغداد متصيدا ،  فورد الخبر إليه بوفاة جدته أم أبيه ، فعاد عن متصيده وجلس للعزاء بها في حجرة من دار المملكة هو وخواصه ، وجلس وزيره أبو طالب علي بن أحمد وكافة أرباب الدولة وأعيان العسكر في صحن الدار ، وحضر عندهم الوزير أبو علي بن صدقة والموكب في الأيام الثلاثة بثياب العزاء ، ونصب كرسي للوعظ ، فتكلم عليه أبو سعد إسماعيل بن أحمد ، وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي إلى الطوسيان ، وجاء ابن صدقة في اليوم الرابع ومعه الموكب لإقامة السلطان من العزاء وإفاضة الخلع عليه ، ففعل ذلك وعزم السلطان محمود على الخروج من بغداد فقيل له: من دار الخلافة ينبغي أن تقيم في هذا الصيف عندنا ، وكان ذلك من خوف سيف الدولة ، فقال : إن معي هذه العساكر ، فقيل له: إنا لا نترك غاية فيما يعود إلى الإقامة ، واستقر أن يزيحوا العلة في نفقة أربعة أشهر ، ففرغت خزائن الوكلاء ، واستقر أن يؤخذ من دور الحريم ودكاكينه ومساكنه أجرة شهر ، فكتبت بذلك الجرائد ، ورتب لذلك الكتاب والمشرف والجهبذ ، وجبي من ذلك مبلغ وافر في مدة ثلاثة أيام ، فكثرت الشكايات ، فنودي برفع ذلك وإعادة ما جبى على أربابه ، والتفت إلى الاستقراض من ذوي الأموال . وفي صفر: وجد مقتولا بالمختارة ، فجاء أصحاب الشحنة فكبسوا المحلة وطلبوا الحامي ، فهرب فجاء نائب الشحنة إلى باب العامة بالعدد الكثيرة والسلاح الظاهر ، وتوكل بدار ابن صدقة الوزير ووكل به عشرة ، وبدار ابن طلحة صاحب المخزن ، وبدار حاجب الباب ابن الصاحب ، وقال: أنا أطالبكم بجناية المقتول . وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الأول: استدعي علي بن طراد النقيب بحاجب من الديوان ، فلما حضر قرأ عليه الوزير ابن صدقة توقيعا مضمونه: قد استغني عن خدمتك ، فمضى وأغلق بابه وكانت ابنته متصلة بالأمير أبي عبد الله بن المستظهر وهو المقتفي ، فكان الوزير ابن صدقة يتقرب منه ولا يباسطه في دار الخلافة ، فلما كان يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول انحدر الوزير أبو طالب السمري متفرجا ، فلما حاذى باب الأزج عبر إليه علي بن طراد وذكر له الحال فوعده ثم خاطبه في حقه فرضي عنه ، وأعيد إلى النقابة في ثاني ربيع الآخر . وفي ليلة النصف من ربيع الأول خلع في دار السلطان على القاضي أبي سعد الهروي ،  وركب إلى داره بقراح بن رزين ، ومعه كافة الأمراء ، ونفذ أمره في القضاء بجميع الممالك سوى العراق مراعاة لقاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لما يعلم من ميل المسترشد إليه ، وخرج الهروي في هذا الشهر إلى سنجر برسالة من المسترشد ومن السلطان محمود وأصحب تشريفات وحملانا ، وسار في تجمل كثير . وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى: صرف كاتب ديوان الزمام عنه ، وهو شمس الدولة أبو الحسن علي بن هبة الله بن الزوال ، ووقع بذلك بالنظر في ديوان الزمام مضافا إلى ديوان الإنشاء . وفي شعبان منها جلس الخليفة المسترشد في دار الخلافة في أبهة الخلافة ; البردة على كتفيه والقضيب بين يديه وجاء الأخوان الملكان محمود ومسعود فوقفا بين يديه ، وقبلا الأرض ، فخلع على محمود سبع خلع وطوقا وسوارين وتاجا ، وأجلس على كرسي ، ووعظه الخليفة وتلا عليه قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] وأمره بالإحسان إلى الرعايا ، وعقد له الخليفة لواءين بيده ، وقلده الملك ، وخرجا من بين يديه مطاعين معظمين ، والجيش بين أيديهما إلى دارهما في أبهة عظيمة جدا . وحج بالناس نظر الخادم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية