ذكر قتل المأمون بن البطائحي
في هذه السنة ، في رمضان ، قبض الآمر بأحكام الله العلوي ، صاحب مصر ، على وزيره أبي عبد الله بن البطائحي ، الملقب بالمأمون ، وصلبه وإخوته .
وكان ابتداء أمره أن أباه كان من جواسيس الأفضل بالعراق ، فمات ولم يخلف شيئا ، فتزوجت أمه وتركته فقيرا ، فاتصل بإنسان يتعلم البناء بمصر ثم صار يحمل الأمتعة بالسوق الكبير ، فدخل مع الحمالين إلى دار الأفضل أمير الجيوش ، مرة بعد أخرى ، فرآه الأفضل خفيفا رشيقا ، حسن الحركة ، حلو الكلام ، فأعجبه ، فسأل عنه ، فقيل هو ابن فلان ، فاستخدمه مع الفراشين ، ثم تقدم عنده ، وكبرت منزلته ، وعلت حالته ، حتى صار وزيرا .
وكان كريما ، واسع الصدر ، قتالا ، سفاكا للدماء ، وكان شديد التحرز ، كثير التطلع إلى أحوال الناس من العامة والخاصة من سائر البلاد : مصر ، والشام ، والعراق ، وكثر الغمازون في أيامه .
وأما سبب قتله فإنه كان قد أرسل الأمير جعفرا أخا الآمر ليقتل الآمر ويجعله خليفة ، وتقررت القاعدة بينهما على ذلك ، فسمع بذلك أبو الحسن بن أبي أسامة ، وكان خصيصا بالآمر ، قريبا منه ، وقد ناله من الوزير أذى واطراح ، فحضر عند الآمر وأعلمه الحال ، فقبض عليه وصلبه ، وهذا جزاء من قابل الإحسان بالإساءة .