الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

            أبو الوفاء الفيروزآبادي

            أحمد بن إبراهيم ، أبو الوفاء الفيروزآبادي

            :

            وفيروزآباد أحد بلاد فارس ، سمع الحديث من أبي طاهر الباقلاوي ، وأبي الحسن الهكاري ، وخدم المشايخ المتصوفين ، وسكن رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور ، وكانت أخلاقه لطيفة ، وكلامه مستحلى ، كان يحفظ من سير الصالحين وأخبارهم وأشعارهم الكثير ، وكان على طرائقهم في سماع الغناء والرقص وغير ذلك ، وكان يقول لشيخنا عبد الوهاب: إني لأدعو لك وقت السماع ، وكان شيخنا يتعجب ، ويقول: أليس هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة .

            توفي أبو الوفاء ليلة الاثنين حادي عشر صفر هذه السنة ، وصلى عليه من الغد بجامع المنصور خلق كثير ، منهم أرباب الدولة ، وقاضي القضاة . ودفن على باب الرباط ، وعمل له يوم السبت ثالث عشر صفر دعوة عظيمة أنفق فيها مال بين جامع المنصور والرباط على عادة الصوفية إذا مات لهم ميت ، فاجتمع من المتصوفة والجند والعوام خلق كثير . أبو علي الفارقي

            الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون ، أبو علي الفارقي :

            من أهل ميافارقين ، ولد بها في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني ، وكان صاحب المحاملي ، فلما توفي الكازروني قصد أبا إسحاق الشيرازي في سنة ست وخمسين ، فتفقه عليه ، قال:

            فنزلت في خان حذاء مسجد أبي إسحاق بباب المراتب ، وكان يسكنه أصحاب الشيخ ومن يتفقه عليه ، فإذا كثرنا كنا حوالي العشرين ، وإذا قل عددنا كنا حوالي العشرة ، وكان الشيخ أبو إسحاق يذكر التعليقة في أربع سنين فيصير المتفقه في هذه الأربع سنين فيها مستغنيا عن الجلوس بين يدي أحد ، وكان يذكر درسا بالغداء ودرسا بالعشي ، فلما كانت سنة ستين عبرت إلى الجانب الغربي إلى الشيخ أبي نصر بن وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية ، وفيه: "أحمد بن علي بن إبراهيم" ، وشذرات الذهب ، وفيه: "أحمد بن علي الشيرازي" .

            الصباغ قرأت عليه الشامل ، ثم عدت إلى الشيخ أبي إسحاق فلازمته إلى حين وفاته .

            سمع أبو علي الحديث من أبي الغنائم ابن المأمون ، وأبي جعفر ابن المسلمة ، وأبي إسحاق ، وولي القضاء بواسط وأعمالها وسكنها إلى حين وفاته ، وكان زاهدا ورعا مهيبا ، لا يحابي أحدا في الحكومات ، وكان يتشاغل بإعادة العلم مع كبره ، وكان في آخر عمره يقول لأصحابه إذا حضروا الدرس: كررت البارحة الربع الفلاني من المهذب ، وكررت بارحة الأولى الربع الفلاني من الشامل ، وكانت حواسه صحاحا وعقله كاملا .

            وتوفي بواسط في محرم هذه السنة ، وهو ابن ست وتسعين . أبو محمد بن أبي بكر الشاشي

            عبد الله بن محمد [بن أحمد بن الحسين ، أبو محمد] بن أبي بكر الشاشي :

            ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وغيره ، وتفقه على أبيه وناظر وأفتى ، وكان فاضلا ظريف [الشمائل] مليح المحاورة حسن العبارة ، وحضرت مجلس وعظه ، وكان ينشئ الكلام المطابق المجانس ويقوله في المجلس ، سمعته يقول في مجلس وعظه: أين القدود العالية والخدود الوردية ، امتلأت بها العالية والوردية . وهذا اسم مقبرتين في نهر معلى . وحضر يوما آخر النهار في التاجية للوعظ ، وكان في السماء غير فارتجل في الطريق أبياتا وأنشدها في آخر المجلس ، وهي:


            قضية أعجب بها قضيه جلوسنا الليلة في التاجيه     والجو في حلته الفضيه
            صقالها قعقعة رعديه     أعلامها شعشعة برقيه
            تنثر من أردانها العطريه     ذائب در ينشر البريه
            والشمس تبدو تارة جليه     ثم تراها مرة خفيه
            كأنها جارية حييه     حتى إذا كانت لنا العشيه
            نضت لباس الغيم بالكليه     وأسفرت في الجهة الغربيه
            صفراء في ملحفة ورسيه

            كرامة أعرفها شاشية

            ومن أشعاره:


            الدمع دما يسيل من أجفاني     إن عشت مع البكاء ما أجفاني
            سجني شجني وهمتي سجاني     والعاذل بالملام قد شجاني
            والذكر لهم يزيد في أشجاني     والنوح مع الحمام قد أشجاني
            ضاقت ببعاد مهجتي أعطاني     والبين يد الهموم قد أعطاني

            توفي أبو محمد ثاني المحرم وصلي عليه بجامع مع القصر ، ودفن عند قبر أبيه في تربة الشيخ أبي إسحاق . عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري

            عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري ، أبو محمد المقرئ ، ويعرف بابن نبال :

            سمع أبا نصر الزينبي ، وأبا الغنائم بن أبي عثمان ، وعاصما وغيرهم ، وحدث وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل ، وأبي سعد البرداني ، وكان صحيح السماع من أهل السنة ، وباع ملكا له واشترى كتاب الفنون وكتاب الفصول لابن عقيل ، ووقفهما على المسلمين .

            وتوفي ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الأولى ، ودفن بباب حرب . أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري

            عبد الخالق بن عبد الواسع بن عبد الهادي بن عبد الله ، أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري:



            جمع وحدث وكان جوادا ، حسن الأخلاق ، لطيف الشمائل ، روى عنه أشياخنا .

            وتوفي في شعبان هذه السنة . عبد الواحد بن شنيف

            عبد الواحد بن شنيف ، أبو الفرج :

            تفقه على أبي علي البرداني ، وكان مناظرا مجودا وأمينا من قبل القضاة ومشرفا على خزانة السلطان ، وكانت له فطنة عظيمة وشجاعة وقوة قلب .

            حدثني أبو الحسن بن عربية قال: كان تحت يده مال لصبي ، وكان قد قبض المال وللصبي فهم وفطنة فكتب الصبي جملة التركة عنده وأثبت ما يأخذه من الشيخ ، فلما مرض الشيخ أحضر الصبي ، وقال له: أي شيء لك عندي؟ فقال: والله ما لي عندك شيء لأن تركتي وصلت إلي بحساب محسوب ، وأخرج سبعين دينارا ، وقال: خذ هذه لك فإني كنت أشتري لك بشيء من مالك ، وأعود فأبيعه فحصل لك هذا المال .

            وحدثني أبو الحسن قال: توفي رجل حشوي بدار القز ، وكان أبو العباس الرطبي يتولى التركات ، فكتب إليه الشيخ عبد الواحد: تتولى تركة فلان ، فحضر وأعطى زوجته حقها وأعطى الباقي ذوي أرحامه ، وكتب بذلك ، فكتب ابن الرطبي مع مكتوبه إليه إلى المسترشد يخبره بما صنع ، وأنه ورث ذوي الأرحام ، فكتب المسترشد : نعم ما فعل إذ عمل بمذهبه ، وإنما الذنب لمن استعمل في هذا حنبليا ، وقد علم مذهبه في ذلك .

            وتوفي عبد الواحد في شعبان هذه السنة ، وخلف مالا كثيرا . ابن الحلاج

            محمد بن أحمد بن علي القطان ، ويعرف بابن الحلاج :

            قرأ القراءات ، وحدث عن أبي الغنائم ابن أبي عثمان ، وكان خيرا زاهدا ، كثير العبادة ، دائم التلاوة ، حسن الخلق ، يسكن التوثة من الجانب الغربي ، وكان الناس يزورونه ويتبركون به ، كنت أزوره كل سبت وأنا صبي ، فيدعو لي ويقرأ على صدري .

            وتوفي ليلة الاثنين العشرين من جمادى الآخرة ، وصلى عليه شيخنا عبد الوهاب الحافظ ، ودفن بالشونيزية ، وكان جمعه متوفرا . أبو نصر الأرغياني

            محمد بن عبد الله بن أحمد ، أبو نصر الأرغياني :

            ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة ، وسمع أبا الحسن الواحدي ، وأبا بكر بن خلف ، وأبا علي بن نبهان ، وأبا المعالي الجويني ، وعليه تفقه ، وكان متنسكا ورعا ، كثير العبادة ، وتوفي ب نيسابور في هذه السنة . محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي

            محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي ، أبو رشيد :

            من أهل طبرستان ، ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ، وحج وأقام بمكة مدة ، وجمع الحديث ، وحدث بشيء يسير ، وكان زاهدا منقطعا مشتغلا بنفسه وكان قد ركب البحر ، فلما وصل إلى بعض الجزائر خرج من السفينة وودع أصحابه ، وقال: أريد أن أقيم ها هنا ، فسألوه أن لا يقيم فلم يفعل ، فتركوه وذهبوا في البحر فهاجت ريح فردتهم إليه ، فسألوه أن يمضي معهم فما أجاب ، فمضوا فهبت الريح مرة أخرى فردتهم إليه كذلك عدة نوب ، ويسألونه فيأبى . فاجتمع التجار إليه وقالوا: تسعى في إتلاف نفوسنا وأموالنا فإنا كلما دفعنا ومضينا ردتنا الريح إليك فاصحبنا في دربند فإذا رجعنا فأقم هاهنا ، فأجابهم وأقام معهم في دربند أياما ورجع إلى الجزيرة ، وأقام بها سنتين ، وكان في الجزيرة عين ماء [فكان] يشرب منها ويتوضأ ، ثم رجع إلى آمل فسكنها إلى أن توفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة ، وقبره بآمل معروف يتبرك به .

            قال بعض أصحابه: ذهبت إلى الجزيرة التي كان انقطع فيها فرأيت ثعبانا يبتلع ابن آدم كما هو ، فزرت موضع سجوده ورجعت . أبو القاسم الواسطي الشروطي

            هبة الله بن عبد الله بن أحمد عبد الله ، أبو القاسم الواسطي الشروطي :

            من أهل الكرخ ، ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ، سمع أبا الغنائم بن المأمون ، وأبا الحسين بن المهتدي ، وأبا جعفر ابن المسلمة ، وأبا بكر الخطيب ، وكان ثقة صالحا فاضلا عالما مكثرا مقبلا على ما يعنيه .

            توفي في ذي الحجة من هذه السنة . أم المسترشد بالله

            أم المسترشد بالله :

            توفيت وقت العتمة ليلة الاثنين تاسع عشر شوال هذه السنة ، وأخرجت ليلا فدفنت في الرصافة .

            ومن العجائب أنه نفذ تلك الليلة إلى أبي القاسم بن السياف في معنى حاجة لأجل الميتة فنفذ معهم ابنا له صغيرا ليعطيهم حاجتهم ، فدخلوا ومعهم نقاط فوقع من النفط في أعدال قطن فاحترقت ، وحصل الصبي في الخزانة وحده ، وأحاطت به النار فلم يجد محيصا فاحترق . سليمان بن مهارش العقيلي

            وفيها توفي الأمير سليمان بن مهارش العقيلي أمير بني عقيل ، وولي الإمارة بعده أولاده مع صغر سنهم ، وطيف بهم في بغداد رعاية لحق جدهم مهارش ، فإنه هو الذي كان الخليفة القائم بأمر الله عنده في الحديثة لما فعل به البساسيري .

            ابن أبي الصلت الشاعر

            وفيها توفي ابن أبي الصلت الشاعر ، ومن شعره يذم ثقيلا :


            لي صديق عجبت كيف     استطاعت هذه الأرض والجبال تقله
            أنا أرعاه مكرما وبقلبي منه     ما ينسف الجبال أقله
            هو مثل المشيب أكره رؤيا     ه ولكن أصونه وأجله

            وله أيضا :


            ساد صغار الناس في عصرنا     لا دام من عصر ولا كانا
            كالدست مهما هم أن ينقضي     صار به البيذق فرزانا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية