الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            منافرة بين الوزير شرف الدين الزينبي والمقتفي لأمر الله

            في هذه السنة جرى بين أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله وبين الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي منافرة  ، وسببها أن الوزير كان يعترض الخليفة في كل ما يأمر به ، فنفر الخليفة من ذلك ، فغضب الوزير ، ثم خاف فقصد دار السلطان في سميرية وقت الظهر ، ودخل إليها واحتمى بها ، فأرسل إليه الخليفة في العود إلى منصبه فامتنع ، وكانت الكتب تصدر باسمه ، واستنيب قاضي القضاة الزينبي وهو ابن عم الوزير ، وأرسل الخليفة إلى السلطان رسلا في معنى الوزير ، فأرخص له السلطان في عزله ، فحينئذ أسقط اسمه من الكتب ، وأقام بدار السلطان ، ثم عزل الزينبي من النيابة ، وناب سديد الدولة بن الأنباري . قتل المقرب جوهر

            وفيها قتل المقرب جوهر ، وهو من خدم السلطان سنجر  ، وكان قد حكم في دولته جميعها ، ومن جملة أقطاعه الري ، ومن جملة مماليكه عباس صاحب الري ، وكان سائر عسكر السلطان سنجر يخدمونه ويقفون ببابه ، وكان قتله بيد الباطنية ، وقف له جماعة منهم بزي النساء ، واستغثن به ، فوقف يسمع كلامهم فقتلوه ، فلما قتل جمع صاحبه عباس العساكر ، وقصد الباطنية ، فقتل منهم وأكثر ، وفعل بهم ما لم يفعله غيره ، ولم يزل يغزوهم ويقتل فيهم ويخرب بلادهم إلى أن مات . زلزلت كنجة وغيرها

            وفيها زلزلت كنجة وغيرها من أعمال أذربيجان وأران إلا أن أشدها كان بكنجة ، فخرب منها الكثير ، وهلك عالم لا يحصون كثرة .

            قيل : كان الهلكى مائتي ألف وثلاثين ألفا ، وكان من جملة الهلكى ابنان لقراسنقر صاحب البلاد ، وتهدمت قلعة هناك لمجاهد الدين بهروز ، وذهب له فيها من الذخائر والأموال شيء عظيم . شروع مجاهد الدين بهروز في عمل النهروانات

            وفيها شرع مجاهد الدين بهروز في عمل النهروانات   : سكر سكرا عظيما يرد الماء إلى مجراه الأول ، وحفر مجرى الماء القديم ، وخرق إليه مجراة تأخذ من ديالى ثم استحال بعد ذلك ، وجرى الماء ناحية من السكر ، وبقي السكر في البئر لا ينتفع به أحد ، ولم يتعرض أحد لرده إلى مجراه عند السكر إلى وقتنا هذا . ولادة ابنة قاور من السلطان مسعود ابنا ذكرا

            وولدت في هذه السنة ابنة قاور من السلطان مسعود ولدا ذكرا ، فعلقت بغداد وظهرت المنكرات ، فبقيت ثمانية أيام فمضى ابن الكواز الزاهد إلى باب [ابن ] قاور وقال : إن أزلتم هذا وإلا بتنا في الجوامع ، وشكونا إلى الله تعالى فحطوا التعاليق فمات الولد

            وعلقت البلد لأجل دخول خاتون بنت محمد زوجة المقتفي ، وكانت قد وصلت مع أخيها مسعود ، وأقامت عنده بدار المملكة ثم دخلت إلى الخليفة في زي عجيب وبين يديها زوجة السلطان مسعود بنت دبيس وبنت قاور ، ويحجبها الوزير شرف الدين والمهد ومركب الخليفة وذلك في جمادى الأولى .

            ثم وقع في رجب إملاك السيدة بنت أمير المؤمنين [ لمسعود ] ، وحضر وزير الخليفة ووزير السلطان والوجوه ، ونثر عليهم ، وتمكن الوزير أبو القاسم بن طراد من الدولتين . إنفاذ الخليفة عمالا وخدما من غير مشورة الوزير

            ونفذ الخليفة خدما وعمالا على البلاد من غير مشاورة الوزير وجرت بينهما وحشة وانقطع الوزير عن الخدمة ، ثم وقع الصلح في [خامس عشر من ] شعبان ، وخلع على الوزير واختصم أصحاب ترشك [وأصحاب الوزير ، فبعث الوزير إلى السلطان ] مسعود فقبض عليه ، فأشار الوزير بأن يكون في خدمة السلطان تحت ركابه ، فأخذه مسعود في صحبته ، فثقل ذلك على الخليفة لكونه من خاصته ، ثم أشير على السلطان بإعادته فأعاده ، ثم منع الوزير ثقة الدولة ابن الأبري من الدخول إلى الخليفة ، وكان وكيله قديما فثقل ذلك على الخليفة فقبض على حاجب الوزير ، فاستشعر الوزير من ذلك فقصد دار السلطان مسعود في سميرية وسط النهار ، وأقام بها [وذلك في ذي القعدة من هذه السنة ] فروسل في العود إلى منصبه ، فامتنع وكانت الكتب تعنون باسمه إلى أن ورد جواب مكتوبات الخليفة إلى السلطان من المعسكر يقول له : كلنا بحكمك فول من تريده واعزل من تريد ، فبعث إليه على يدي صاحب المخزن وابن الأنباري ونجاح الخادم ، فعزله من الوزارة وهو مقيم بدار المملكة ، وذلك في ذي الحجة ، واستناب قاضي القضاة الزينبي ، وتقدم بفتح الديوان ، وجرت الأمور على العادة ، ثم إن قاضي القضاة مرض فاستنيب ابن الأنباري . ومن الحوادث فيها:

            وتوفي رجل خير من باب الأزج ونودي عليه ، واجتمع الناس في مدرسة عبد القادر للصلاة عليه فلما أريد غسله عطس وعاش.

            وأحضرت جنازة [رجل غيره ] أخرى فدخل عليه فصلى ذلك الخلق عليها . وتكاثرت كبسات العيارين وصاروا يأخذون مجاهرة . وولي أبو الحسين الدامغاني قضاء الجانب الغربي ، وجلس ابن السهروردي للوعظ في النظامية [في شعبان ] وحضر أرباب الدولة . وفي رمضان عزل ابن الصاحب من باب النوبي ، وولي مكانه ابن مسافر ، ثم عزل في ذي الحجة وولي أبو غالب بن المعوج . وغارت المياه من أقطار الأرض ، ونقص ماء دجلة نقصا لم ير مثله  ، ورفعت كراسي الوعاظ من جامع القصر . وفيها انقطع الغيث ببغداد والعراق ، ولم يجئ غير مرة واحدة في آذار ، ثم انقطع ووقع الغلاء ، وعدمت الأقوات بالعراق . وفيها في جمادى الآخرة دخل الخليفة بفاطمة خاتون بنت السلطان مسعود ، وكان يوم حملها إلى دار الخليفة يوما مشهودا ، أغلقت بغداد عدة أيام ، وزينت وتزوج السلطان مسعود بابنة الخليفة المقتفي لأمر الله وعقد عليها ، واستقر أن يتأخر زفافها خمس سنين لصغره . وفيها ولد صاحب حماة تقي الدين عمر شاهنشاه بن أيوب بن شاذي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية