الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة وصل رسول من السلطان سنجر ، ومعه بردة النبي - صلى الله عليه وسلم - والقضيب ، وكانا قد أخذا من المسترشد ، فأعادهما الآن إلى المقتفي . وفي هذه السنة توفي أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان وأرانية بمدينة أردبيل ، وكان مرضه السل وطال به ، وكان من مماليك الملك طغرل ، وسلمت أذربيجان وأرانية إلى الأمير جاولي الطغرلي . وكان قراسنقر علا شأنه على سلطانه ، وخافه السلطان . وفيها كان بين أتابك زنكي وبين داود سقمان بن أرتق صاحب حصن كيفا حرب شديدة ، وانهزم داود بن سقمان ، وملك زنكي من بلاده قلعة بهمرد ، وأدركه الشتاء فعاد إلى الموصل . وفيها ملك الإسماعيلية حصن مصيات بالشام ، وكان واليه مملوكا لبني منقذ أصحاب شيزر ، فاحتالوا عليه ومكروا به حتى صعدوا إليه وقتلوه ، وملكوا الحصن وهو بأيديهم إلى الآن . ومن الحوادث فيها :

            أنه استوزر أبو نصر المظفر بن محمد بن جهير نقل من أستاذية الدار إلى الوزارة   . ظهور رجل يدعي الزهد والنسك

            ووصل إلى بغداد رجل أظهر الزهد والنسك ، وأقام في قرية السلطان بباب بغداد ، فقصده الناس من كل جانب ، واتفق أن بعض أهل السواد دفن ولدا له قريبا من قبر السبتي ، فمضى ذلك المتزهد فنبشه ودفنه في موضع ، ثم قال للناس في بعض الأيام : اعلموا أنني قد رأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه علي بن أبي طالب فسلمت عليهما وسلموا علي ، وقالا لي : إن في هذا الموضع صبيا من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وخطا لي المكان وأشار إلى ذلك الموضع ، فحفروه فرأوا الصبي وهو أمرد فمن وصل إلى قطعة من أكفانه فكأنه قد ملك الملك ، وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد وانقلب البلد وطرح في الموضع دساتيج ماء الورد والبخور ، وأخذ التراب للتبرك ، وازدحم الناس على القبر حتى لم يصل أحد من كثرة الزحام ، وجعل الناس يقبلون يد الزاهد وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع ، والناس تارة يزدحمون عليه وتارة يزدحمون على الميت [وبقي الناس على هذا أياما ] والميت مكشوف يبصره الناس ، ثم ظهرت رائحته وجاء جماعة من أذكياء بغداد فتفقدوا كفنه فوجدوه خاما ووجدوا تحته حصيرا جديدا فقالوا : هذا لا يمكن أن يكون على هذه الصفة منذ أربعمائة سنة فما زالوا ينقبون عن ذلك حتى جاء السوادي فأبصره ، وقال : هذا والله ولدي وكنت دفنته عند السبتي ، فمضى معه قوم إلى المكان فرأوا القبر قد نبش وليس فيه ميت ، فلما سمع الزاهد ذلك هرب فطلبوه ووقعوا به فأخذوه فقرروه فأقر أنه فعل ذلك حيلة . فأخذ وأركب حمارا وشهر ، وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة . وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر :

            نفذ السلطان مسعود كأسا لبهروز ليشربه فشربه وعلقت بغداد ، وعمل سماعا عظيما في دار البرسقي ، فحضر عنده أرباب الدولة وحضر جميع القيان ، وأظهر الناس الطبول والزمور والفساد والخمور .

            واعترض على شيخ الشيوخ إسماعيل وقيل له لا تدخل ولا تخرج ولا يقربك أحد من أبناء الدنيا لأجل قربه من الوزير الزينبي . وفي ربيع الآخر : أخذ المغربي الواعظ مكشوف الرأس [إلى باب النوبي ] لأنه وجد في داره خابية نبيذ مدفونة وآلات اللهو من عود وغيره ، فحبس وانهال عليه الناس يسبونه ، وكان ينكر ذلك ويقول : إن امرأته مغنية والآلات لها وما علمت . وفي جمادى الآخرة عزل جماعة من المعدلين ابن غالب ، وأحمد بن الشارسوكي ، وابن جابر ، وابن شافع ، وابن الحداد ، وابن الصباغ ، وابن جوانوه ، ثم عزل آخرون فقارب عدد الكل ثلاثين . وفي شوال : فتحت المدرسة التي بناها صاحب المخزن بباب العامة ، وجلس للتدريس فيها أبو الحسن ابن الخل ، وحضر قاضي القضاة الزينبي وأرباب الدولة والفقهاء .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية