الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة ملك أتابك زنكي بن آقسنقر مدينة الحديثة ، ونقل من كان بها من آل مهراش إلى الموصل ، ورتب أصحابه فيها . وفيها خطب لزنكي أيضا بمدينة آمد ، وصار صاحبها في طاعته  ، وكان قبل ذلك موافقا لداود على قتال زنكي ، فلما رأى قوة زنكي صار معه . وفيها عزل مجاهد الدين بهروز عن شحنكية بغداد ، ووليها قزل أمير آخر ، وهو من مماليك السلطان محمود ، وكان له بروجرد والبصرة ، فأضيف إليه شحنكية بغداد ، ثم وصل السلطان مسعود إلى بغداد ، فرأى من تبسط العيارين وفسادهم ما ساءه ، فأعاد بهروز إلى الشحنكية ، فتاب كثير منهم ، ولم ينتفع الناس بذلك ؛ لأن ولد الوزير وأخا امرأة السلطان كانا يقاسمان العيارين ، فلم يقدر بهروز على منعهم . وفيها تولى عبد الرحمن طغايرك حجبة السلطان ، واستولى على المملكة ، وعزل الأمير تتر الطغرلي عنها ، وآل أمره إلى أن يمشي في ركاب عبد الرحمن . وفيها توفي إبراهيم السهاوي مقدم الإسماعيلية ، فأحرقه ولد عباس صاحب الري في تابوته . وفيها حج كمال الدين بن طلحة صاحب المخزن ، وعاد وقد لبس ثياب الصوفية ، وتخلى عن جميع ما كان فيه ، وأقام في داره مرعي الجانب محروس القاعدة . فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الأول ركب الوزيران في الماء وجميع الأمراء والخدم والخواص ويرنقش الزكوي ودخلوا من باب الشط فقعدوا في بيت النوبة واستأذنوا فأذن لوزير السلطان وحده فدخل وقبل الأرض ووقف بين يدي أمير المؤمنين ، وقال : يا مولانا السلطان سنجر يسأل ويتضرع إلى أمير المؤمنين في قبول الشفاعة في الزينبي وكذلك مسعود يقبل الأرض ويقول له حق خدمة وإن كان بدا منه سيئة فقد قال الله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقال : وليعفوا وليصفحوا ورأي أمير المؤمنين في ذلك أعلى فأخذ أمير المؤمنين يعدد سيئاته ، ثم قال : عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ، وقد أجبت السلطانين إلى سؤالهما وعفوت عنه ثم أذن له فدخل هو والأمراء فوقفوا وراء الشباك وكشفت الستارة فقبلوا الأرض بين يديه ثم مضى إلى داره وعاد الوزير إلى مسعود فأخبره بما جرى . وفيها أغار عسكر أتابك زنكي من حلب على بلاد الفرنج ، فنهبوا وأحرقوا ، وظفروا بسرية الفرنج ، فقتلوا فيهم وأكثروا ، فكان عدة القتلى سبعمائة رجل . وفيها أفسد بنو خفاجة بالعراق ، فسير السلطان مسعود سرية إليهم من العسكر ، فنهبوا حلتهم ، وقتلوا من ظفروا به منهم وعادوا سالمين . وفيها سير رجار الفرنجي صاحب صقلية أسطولا إلى أطراف إفريقية ، فأخذوا مراكب سيرت من مصر إلى الحسن صاحب إفريقية ، وغدر بالحسن ، ثم راسله الحسن وجدد الهدنة لأجل حمل الغلات من صقلية إلى إفريقية ؛ لأن الغلاء كان فيها شديدا ، والموت كثيرا . وفيها : عمل بثق النهروان ، وخلع بهروز على الصناع جميعهم جباب ديباج رومي وعمائم قصب مذهبة وبنى عليه قرية سماها المجاهدية ، وبنى لنفسه تربة هناك ، ووصل السلطان عقيب فراغه وجريان الماء في النهر فقعد هو والسلطان في سفينة وسارا في النهر المحفور ، وفرح السلطان بذلك وقيل إنه عاتبه في تضييع المال فقال له : قد أنفقت عليه سبعين ألف دينار ، أنا أعطيك إياها من ثمن التبن وحده . وفي جمادى الأولى في كانون الأول : أوقدت النيران على السطوح ببغداد ثلاث [ليال ] وضربت الدبادب والبوقات حتى خشي على البلد من الحريق ، فنودي في الليلة الرابعة بإزالته . وفيها عقدت الجمعة بمسجد العباسيين بإذن الخليفة وحج بالناس نظر الخادم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية