ذكر اجتماع السلطان محمود مع الغز وعودهم إلى نيسابور
لما عاد الغز ومعهم الملك محمد بن محمود الخان إلى نسا وأبيورد ، كما ذكرناه ، خرج والده السلطان محمود الخان ، وكان هناك فيمن معه من العساكر الخراسانية ، فاجتمع بهم واتفقت الكلمة على طاعته ، وأراد عمارة البلاد وحفظها ، فلم يقدر على ذلك ، فلما اجتمعوا ساروا إلى نيسابور ، وبها المؤيد أي أبه ، في شعبان ، فلما سمع بقربهم منه رحل عنها إلى خواف في السادس عشر منه ، ووصلوا إليها في الحادي والعشرين منه ونزلوا فيه ، وخافهم الناس خوفا عظيما ، فلم يفعلوا بهم شيئا ، وساروا عنها في السادس والعشرين منه إلى سرخس ومرو .
وقوع فتنة بين فقيه الشافعية وبين نقيب العلويين
وكان بها الفقيه المؤيد بن الحسين الموفقي ، رئيس الشافعية ، وله بيت قديم ، وهو من أحفاد الإمام أبي سهل الصعلوكي ، وله مصاهرة إلى بيت أبي المعالي الجويني ، وهو المقدم في البلد والمشار إليه ، وله من الأتباع ما لا يحصى .
فاتفق أن بعض أصحابه قتل إنسانا من الشافعية ، اسمه أبو الفتوح الفستقاني ، خطأ ، وأبو الفتوح هذا له تعلق بنقيب العلويين بنيسابور ، وهو ذخر الدين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسيني ، وكان هذا النقيب هو الحاكم هذه المدة بنيسابور ، فغضب من ذلك وأرسل إلى الفقيه المؤيد يطلب منه القاتل ليقتص منه ، ويتهدده إن لم يفعل ، فامتنع المؤيد من تسليمه ، وقال : لا مدخل لك مع أصحابنا ، إنما حكمك على الطائفة العلويين ، فجمع النقيب أصحابه ومن يتبعه وقصد الشافعية ، فاجتمعوا له وقاتلوه ، فقتل منهم جماعة ثم إن النقيب أحرق سوق العطارين ، وأحرقوا سكة معاذ ، وسكة باغ ظاهر ، ودار إمام الحرمين أبي المعالي الجويني ، وكان الفقيه المؤيد الشافعي بها للصهر الذي بينهم .
وعظمت المصيبة على الناس كافة ، وجمع بعد ذلك المؤيد الفقيه جموعا من طوس ، وأسفرايين وجوين وغيرهم ، وقتلوا واحدا من أتباع النقيب زيد يعرف بابن الحاجي الأشناني ، فأهم العلوية ومن معهم ، فاقتتلوا ثامن عشر شوال من سنة أربع وخمسين [ وخمسمائة ] ، وقامت الحرب على ساق ، وأحرقت المدارس والأسواق والمساجد وكثر القتل في الشافعية ، فالتجأ المؤيد إلى قلعة فرخك ، وقصر باع الشافعية عن القتال ، ثم انتقل المؤيد إلى قرية من قرى طوس ، وبطلت دروس الشافعية بنيسابور ، وخرب البلد وكثر القتل فيه . ذكر عود المؤيد إلى نيسابور وتخريب ما بقي منها
في هذه السنة عاد المؤيد أي أبه إلى نيسابور في عساكره ومعه الإمام المؤيد الموفقي الشافعي الذي تقدم ذكر الفتنة بينه وبين ذخر الدين نقيب العلويين وخروجه من نيسابور ، فلما خرج منها صار مع المؤيد وحضر معه حصار نيسابور ، وتحصن النقيب العلوي بشارستان واشتد الخطب ، وطالت الحرب ، وسفكت الدماء وهتكت الأستار وخربوا ما بقي من نيسابور من الدور وغيرها ، وبالغ الشافعية ومن معهم في الانتقام فخربوا المدرسة الصندلية لأصحاب أبي حنيفة وخربوا غيرها وحصروا قهندز ، وهذه الفتنة استأصلت نيسابور ، ثم رحل المؤيد أي أبه عنها إلى بيهق في شوال من سنة أربع وخمسين وخمسمائة ; كان ينبغي أن تكون هذه الحوادث الغزية الواقعة في سنة أربع وخمسين مذكورة في سنتها ، وإنما قدمناها هاهنا وذكرناها هاهنا ليتلو بعضها بعضا فيكون أحسن لسياقتها .